الأربعاء، 23 يناير 2019

هوس العمق (عين من زجاج وعين من خشب )/بقلم علاء طبال

أول نص لي لعام 2019 .
هوس العمق 1 : عينٌ من زجاج و عينٌ من خشب
==ﻬஜﻬ نثر ﻬஜﻬ==
==ﻬஜﻬ من قلب القبطان ﻬஜﻬ==
==ﻬஜﻬ علاء طبال ﻬஜﻬ==
...
تمهيد :
( هوس العمق ) مجموعة من النصوص الأدبية التي عُثر عليها في المكان الذي نفق فيه كاتبها, عُثر عليها في خَرِبة .
كُتبت هذه النصوص *سنة 2030 م .
و ( علاء طبال ) هو الشخص الذي عثر على هذه النصوص و جثة كاتبها .
لم يعثر ( علاء طبال ) على أوراق إثبات شخصية الكاتب ( هوية شخصية, جواز سفر, دفتر خدمة العلم ) .
سيقتصر دور ( علاء طبال ) على عرض النصوص التي عثر عليها فقط . 
قال ( علاء طبال ) بعد أنْ أَتَمَّ قراءة نصوص الكاتب المجهول عن الكاتب :
هذا الرجل عَدُوٌّ لنفسه و للآخرين, هذا القلب ينهشه الظلام و الخوف و الأسى و اليأس .
أتمنى منكم أن تصغوا إلى هذا الرجل حتى اعترافه الأخير ( نصه الأخير ) .
أتمنى منكم أن ترثوا له, و أن يبعث في قلبكم الحنان برغم ضعته و ظلاميته .
هذا الرجل كان ضحية هذه الدنيا الغرور . 
النص الأول :
*13 تموز, سنة 2030 م .
سورية, دمشق, في مكانٍ ما من دمشق الموبوءة .
كاتب النص رَبْعة القامة, دميم الخلقة, مفلطح الأنف, غليظ الشفتين, يرتدي عوينات, صفيق, غريب الأطوار .
و النص المكتوب هنا, نصٌ ملعون .
بعد أن تنتهي من قراءة النص قم بإِحْراقه و لعن كاتبه .
 { عينٌ من زجاج و عينٌ من خشب } 
"إنَّ البشر لأسوأ بكثيرٍ من جميع الوحوش الضارية .
أكثر شراً ! ذلك ما أعرفه .
في العالم أناسٌ بمجرد أن يتطلع المرء إليهم فإنه يرغب في إبادتهم ... تدمير بيوتهم, حرق كل ما يملكون و تجريدهم من كل شيء, و إخضاعهم للمجاعة و سحقهم كالسوس ."
( المُرّ, المدمر مكسيم غوركي / من مسرحية : فاسا جيليزنوفا )
في العالم كل الناس بمجرد أن يتطلع إليهم المرء فإنه يرغب في إبادتهم, لأن الإنسان روحٌ شريرة ...
الرؤية السوداوية للعالم لا تليق إِلاَّ بالنفوس العميقة .
و لا تعلم حقيقي ناجز, تام, و لا فهم أقرب إلى الحقيقة للعالم, دون الحزن و المعاناة .
**العالم هو مجموعة من الخيارات و البدائل العديدة المتاحة, التي تؤدي كلها إلى الغرق, كُلُّ الدروبِ بلون الغرق .
***كُلُّ الطرق صحيحة, كل الخيارات صحيحة, كل الاحتمالات صحيحة ... لا تندم على الطريق و الخيار الذي سلكته .
كل الخيارات مؤداها الغرق ... كُلُّ الدروبِ بلون الغرق .
و ما الحياة إِلاَّ سلسلة من الصراعات التي تنتهي إما بالفوز أو الخسارة, ثم الغرق .
كل الخيارات مؤداها الغرق ... كُلُّ الدروبِ بلون الغرق .
غاية الحياة هي أن تنتهي . 
جون باتيست بوكلان ( موليير ), كان مربع الرأس, حسير البصر, ضيق الأفق, ****لا يرى أبعد من لحيته .
قد تستمتع بمسرح " أبو المسرح الفرنسي " موليير, لكن أثره لا يدوم .
"الحزن عاطفة وقورة, ثقيلة, عميقة, و البعض يصفها بالنبل ... بعبقريته النافذة لاحظ أرسطو ( أرسطوطاليس ) في كتابه ( فن الشعر ), حين تحدث عن الدراما ( المأساة ) و عن الملهاة ( الكوميديا ) أن الكوميديا تناسب العامة لخفتها و سطحيتها و عاديتها, أما المأساة هي التي تناسب الأرواح العلوية, الأرواح العميقة, الأرواح التي لها بعدٌ خاص, بعدٌ مميز, فلذلك هي تناسب الخاصة ."
( الدكتور عدنان إبراهيم / من خطبة : هدايا الأحزان )
يوجد من الطواطم و الأوثان أكثر مما يوجد من الحقائق في هذا العالم .
وثن الحرية, أكبر هذه الأصنام .
و لطالما عَزَّت البشرية نفسها بالوهم المعبود الذي يدعى الحرية .
و أكبر خطأ ارتكبته البشرية هو ربط وهم الحرية بمفهوم التنوع, لأنَّ الدروب كلها بطعم الغرق .
كَثَّفَ الروائي و الأديب و القاص التشيكي – الفرنسي الماركسي الكبير, ميلان كونديرا ( يُعتبر أفضل كاتب يساري في القرن العشرين، و الرجل حي يرزق حتى الآن - على حد علمي - ) معنى الحرية بكلمتيّ ( الضحك و النسيان ), في مجموعةٍ قصصية تحمل نفس العنوان, تصور عالماً أُجبر على العدو اللاهث وراءهما سعياً للحرية, أي للخلاص .
لكن كلمة ( اللاحتياج ) أفلتت من حذق و فراسة كونديرا .
الحرية هي النسيان و اللاحتياج .
الحرية هي أن تُنسى و تَنسى, هي أن لا تُرى و لا تَرى, هي أن لا تُحتاج و لا تَحتاج .
الحرية وهم, الحرية لا تتأتَّى لبشر .
*****( المصفوفات الماتريكسية ) تحكم عالمنا و تحكمنا .
خيرية النفس الإنسانية هي الأخرى صنمٌ مقدس, تُراقُ تحت أقدامه دماءُ القرابين و الأضاحي .
النفس الإنسانية خبيثة الطوية, زرقاء الناب, جُبلت من الدمن و العفن .
و لا يوجد إنسانٌ واحد على وجه البسيطة يمشي مكشوف الوجه أبداً .
نتظاهر بالسمو و النبل و نقلد على جهلٍ أو على درايةٍ منا نماذج بشرية تظاهرت هي الأخرى بالسمو و النبل .
إزالة الثياب الفارهة و المحسنات و المجملات التي ترفل بها النفس الإنسانية كفيلة بإثبات ذلك .
النفس الإنسانية و العالم المادي من صنع الشيطان, أما الله اكتفى بالعالم الماورائي .
وحدهم العراة و أصحاب القداسة يحتقرهم البشر .
العراة و أصحاب القداسة يحتقرون أنفسهم لأنهم يرونها حق الرؤية .
بطل رواية ( عقدة الأفاعي ) لفرانسوا مورياك كان عارياً على مدى نصف قرن فاحتقره البشر و احتقر نفسه لأنه رآها على حقيقتها .
"لو أمكن أن يتوصل كلٌّ منا ( و هذا مستحيلٌ بحكم الطبيعة الإنسانية ) إلى الكشف عن جميع أفكاره, إلى الكشف عن جميع هذه الأفكار دون أن يخشى أن يطلع الناس لا على ما لا يجرؤ أن يقوله لأحد, و لا على ما لا يجرؤ أن يقوله لأعز أصدقائه فحسب, بل أيضاً على ما يخشى أن يعترف به أحياناً لنفسه, لخرجت من الأرض عفونة تبلغ من النتانة أنها تخنقنا جميعاً ."
( فيودور دوستويفسكي / من مأساة : مذلون مهانون / من الجزء الثالث )
و هذا النص الذاتي – الذاتي, الجواني يثبت ذلك .
نصٌ مُغرق في الذاتية و الجوانية .
 مُغرق في فهم العالم و الحياة و الحرية و الإنسان .
كاتب النص لا يخاطبكم و لا يهمه مخاطبتكم .
كاتب النص يخاطب نفسه .
الأرواح العلوية :
الموسيقى في تَمامِ
دِمائِها
مملوءةٌ بالغبنِ
و الأحزانْ ...
يغدو نهاري 
ليلةً
سوداءْ
أنا في ثَرَى
البيداءِ
أرشفُ ماءْ .
أنا
جثةٌ لا روح
فيها 
طريدٌ 
من محيطاتِ
الحياةْ .
لا أحسنُ التجديفَ
بينَ بوارجٍ
ونسيتُ
فنَ العومِ مِنْ
أزمانْ
لا تحزنوا إن أظلمتْ
أياميَّ
خَلْفَ الظلامِ
المدلهم
مساءْ .
انتهت المخطوطة بكلماتٍ غريبة و أخرى مفككة و أخرى واضحة لا علاقة لها ببعضها, و جمل بلغات أجنبية مُشَطَّبة, و تشطيبات و خربشة و رسومات غير مفهومة, و عبارة :
لا تنسَ أن تحرق النص و تلعن كاتبه بعد الانتهاء من القراءة . 
و كلمتيّ : 
هوس العمق ...
_______________________
* : حدث لاحقاً ...
** : من فحوى الفيلم الرائع :
مرآة سوداء : باندرسناتش . -“Black Mirror : Bandersnatch .”
الفيلم الذي حصل على تقييم وصل إلى 8,3 من 10, صدر سنة 2018 و للآن هناك ضجة كبيرة حول هذا الفيلم .
يقوم الفيلم بعرض كل الاحتمالات المتاحة لبطل الفيلم, و يقوم المشاهد باختيار الاحتمال الذي يراه مناسباً, لكي يتوصل في النهاية إلى أن كل الاحتمالات بلون الغرق .
*** : من فحوى الفيلم الفلسفي الفكري العميق الرائع :
السيد لا أحد . -“Mr Nobody .”
**** : لم يكن موليير ملتحياً .
***** : يقصد هنا فيلم :
 - المصفوفة, بأجزائه الثلاثة .“The Matrix” 
تقوم أفلام ( الماتريكس ) على تعددية العوالم المسيرة من قِبل قوى مجهولة, و مجهولة المرامي و الغايات, إلى جانب القاسم المشترك الذي يجمع بين جميع الشخوص في عوالم الماتريكس و هو العبودية و الحاجة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

متهم بلا شهود بقلم الشاعر عثمان كاظم لفته

  ســيدي القـــاضـــي جلبوني اليكَ بلا احلام اليوم وغداً والماضي وهاأنذا بين يديكَ بلا احلام…  اذاً أنتَ ســـتــُقاضــي شخصا إفتراضــي وأنا ...