أول نص لي لعام 2019 .
هوس العمق 1 : عينٌ من زجاج و عينٌ من خشب
==ﻬஜﻬ نثر ﻬஜﻬ==
==ﻬஜﻬ من قلب القبطان ﻬஜﻬ==
==ﻬஜﻬ علاء طبال ﻬஜﻬ==
...
تمهيد :
( هوس العمق ) مجموعة من النصوص الأدبية التي عُثر عليها في المكان الذي نفق فيه كاتبها, عُثر عليها في خَرِبة .
كُتبت هذه النصوص *سنة 2030 م .
و ( علاء طبال ) هو الشخص الذي عثر على هذه النصوص و جثة كاتبها .
لم يعثر ( علاء طبال ) على أوراق إثبات شخصية الكاتب ( هوية شخصية, جواز سفر, دفتر خدمة العلم ) .
سيقتصر دور ( علاء طبال ) على عرض النصوص التي عثر عليها فقط .
قال ( علاء طبال ) بعد أنْ أَتَمَّ قراءة نصوص الكاتب المجهول عن الكاتب :
هذا الرجل عَدُوٌّ لنفسه و للآخرين, هذا القلب ينهشه الظلام و الخوف و الأسى و اليأس .
أتمنى منكم أن تصغوا إلى هذا الرجل حتى اعترافه الأخير ( نصه الأخير ) .
أتمنى منكم أن ترثوا له, و أن يبعث في قلبكم الحنان برغم ضعته و ظلاميته .
هذا الرجل كان ضحية هذه الدنيا الغرور .
النص الأول :
*13 تموز, سنة 2030 م .
سورية, دمشق, في مكانٍ ما من دمشق الموبوءة .
كاتب النص رَبْعة القامة, دميم الخلقة, مفلطح الأنف, غليظ الشفتين, يرتدي عوينات, صفيق, غريب الأطوار .
و النص المكتوب هنا, نصٌ ملعون .
بعد أن تنتهي من قراءة النص قم بإِحْراقه و لعن كاتبه .
{ عينٌ من زجاج و عينٌ من خشب }
"إنَّ البشر لأسوأ بكثيرٍ من جميع الوحوش الضارية .
أكثر شراً ! ذلك ما أعرفه .
في العالم أناسٌ بمجرد أن يتطلع المرء إليهم فإنه يرغب في إبادتهم ... تدمير بيوتهم, حرق كل ما يملكون و تجريدهم من كل شيء, و إخضاعهم للمجاعة و سحقهم كالسوس ."
( المُرّ, المدمر مكسيم غوركي / من مسرحية : فاسا جيليزنوفا )
في العالم كل الناس بمجرد أن يتطلع إليهم المرء فإنه يرغب في إبادتهم, لأن الإنسان روحٌ شريرة ...
الرؤية السوداوية للعالم لا تليق إِلاَّ بالنفوس العميقة .
و لا تعلم حقيقي ناجز, تام, و لا فهم أقرب إلى الحقيقة للعالم, دون الحزن و المعاناة .
**العالم هو مجموعة من الخيارات و البدائل العديدة المتاحة, التي تؤدي كلها إلى الغرق, كُلُّ الدروبِ بلون الغرق .
***كُلُّ الطرق صحيحة, كل الخيارات صحيحة, كل الاحتمالات صحيحة ... لا تندم على الطريق و الخيار الذي سلكته .
كل الخيارات مؤداها الغرق ... كُلُّ الدروبِ بلون الغرق .
و ما الحياة إِلاَّ سلسلة من الصراعات التي تنتهي إما بالفوز أو الخسارة, ثم الغرق .
كل الخيارات مؤداها الغرق ... كُلُّ الدروبِ بلون الغرق .
غاية الحياة هي أن تنتهي .
جون باتيست بوكلان ( موليير ), كان مربع الرأس, حسير البصر, ضيق الأفق, ****لا يرى أبعد من لحيته .
قد تستمتع بمسرح " أبو المسرح الفرنسي " موليير, لكن أثره لا يدوم .
"الحزن عاطفة وقورة, ثقيلة, عميقة, و البعض يصفها بالنبل ... بعبقريته النافذة لاحظ أرسطو ( أرسطوطاليس ) في كتابه ( فن الشعر ), حين تحدث عن الدراما ( المأساة ) و عن الملهاة ( الكوميديا ) أن الكوميديا تناسب العامة لخفتها و سطحيتها و عاديتها, أما المأساة هي التي تناسب الأرواح العلوية, الأرواح العميقة, الأرواح التي لها بعدٌ خاص, بعدٌ مميز, فلذلك هي تناسب الخاصة ."
( الدكتور عدنان إبراهيم / من خطبة : هدايا الأحزان )
يوجد من الطواطم و الأوثان أكثر مما يوجد من الحقائق في هذا العالم .
وثن الحرية, أكبر هذه الأصنام .
و لطالما عَزَّت البشرية نفسها بالوهم المعبود الذي يدعى الحرية .
و أكبر خطأ ارتكبته البشرية هو ربط وهم الحرية بمفهوم التنوع, لأنَّ الدروب كلها بطعم الغرق .
كَثَّفَ الروائي و الأديب و القاص التشيكي – الفرنسي الماركسي الكبير, ميلان كونديرا ( يُعتبر أفضل كاتب يساري في القرن العشرين، و الرجل حي يرزق حتى الآن - على حد علمي - ) معنى الحرية بكلمتيّ ( الضحك و النسيان ), في مجموعةٍ قصصية تحمل نفس العنوان, تصور عالماً أُجبر على العدو اللاهث وراءهما سعياً للحرية, أي للخلاص .
لكن كلمة ( اللاحتياج ) أفلتت من حذق و فراسة كونديرا .
الحرية هي النسيان و اللاحتياج .
الحرية هي أن تُنسى و تَنسى, هي أن لا تُرى و لا تَرى, هي أن لا تُحتاج و لا تَحتاج .
الحرية وهم, الحرية لا تتأتَّى لبشر .
*****( المصفوفات الماتريكسية ) تحكم عالمنا و تحكمنا .
خيرية النفس الإنسانية هي الأخرى صنمٌ مقدس, تُراقُ تحت أقدامه دماءُ القرابين و الأضاحي .
النفس الإنسانية خبيثة الطوية, زرقاء الناب, جُبلت من الدمن و العفن .
و لا يوجد إنسانٌ واحد على وجه البسيطة يمشي مكشوف الوجه أبداً .
نتظاهر بالسمو و النبل و نقلد على جهلٍ أو على درايةٍ منا نماذج بشرية تظاهرت هي الأخرى بالسمو و النبل .
إزالة الثياب الفارهة و المحسنات و المجملات التي ترفل بها النفس الإنسانية كفيلة بإثبات ذلك .
النفس الإنسانية و العالم المادي من صنع الشيطان, أما الله اكتفى بالعالم الماورائي .
وحدهم العراة و أصحاب القداسة يحتقرهم البشر .
العراة و أصحاب القداسة يحتقرون أنفسهم لأنهم يرونها حق الرؤية .
بطل رواية ( عقدة الأفاعي ) لفرانسوا مورياك كان عارياً على مدى نصف قرن فاحتقره البشر و احتقر نفسه لأنه رآها على حقيقتها .
"لو أمكن أن يتوصل كلٌّ منا ( و هذا مستحيلٌ بحكم الطبيعة الإنسانية ) إلى الكشف عن جميع أفكاره, إلى الكشف عن جميع هذه الأفكار دون أن يخشى أن يطلع الناس لا على ما لا يجرؤ أن يقوله لأحد, و لا على ما لا يجرؤ أن يقوله لأعز أصدقائه فحسب, بل أيضاً على ما يخشى أن يعترف به أحياناً لنفسه, لخرجت من الأرض عفونة تبلغ من النتانة أنها تخنقنا جميعاً ."
( فيودور دوستويفسكي / من مأساة : مذلون مهانون / من الجزء الثالث )
و هذا النص الذاتي – الذاتي, الجواني يثبت ذلك .
نصٌ مُغرق في الذاتية و الجوانية .
مُغرق في فهم العالم و الحياة و الحرية و الإنسان .
كاتب النص لا يخاطبكم و لا يهمه مخاطبتكم .
كاتب النص يخاطب نفسه .
الأرواح العلوية :
الموسيقى في تَمامِ
دِمائِها
مملوءةٌ بالغبنِ
و الأحزانْ ...
يغدو نهاري
ليلةً
سوداءْ
أنا في ثَرَى
البيداءِ
أرشفُ ماءْ .
أنا
جثةٌ لا روح
فيها
طريدٌ
من محيطاتِ
الحياةْ .
لا أحسنُ التجديفَ
بينَ بوارجٍ
ونسيتُ
فنَ العومِ مِنْ
أزمانْ
لا تحزنوا إن أظلمتْ
أياميَّ
خَلْفَ الظلامِ
المدلهم
مساءْ .
انتهت المخطوطة بكلماتٍ غريبة و أخرى مفككة و أخرى واضحة لا علاقة لها ببعضها, و جمل بلغات أجنبية مُشَطَّبة, و تشطيبات و خربشة و رسومات غير مفهومة, و عبارة :
لا تنسَ أن تحرق النص و تلعن كاتبه بعد الانتهاء من القراءة .
و كلمتيّ :
هوس العمق ...
_______________________
* : حدث لاحقاً ...
** : من فحوى الفيلم الرائع :
مرآة سوداء : باندرسناتش . -“Black Mirror : Bandersnatch .”
الفيلم الذي حصل على تقييم وصل إلى 8,3 من 10, صدر سنة 2018 و للآن هناك ضجة كبيرة حول هذا الفيلم .
يقوم الفيلم بعرض كل الاحتمالات المتاحة لبطل الفيلم, و يقوم المشاهد باختيار الاحتمال الذي يراه مناسباً, لكي يتوصل في النهاية إلى أن كل الاحتمالات بلون الغرق .
*** : من فحوى الفيلم الفلسفي الفكري العميق الرائع :
السيد لا أحد . -“Mr Nobody .”
**** : لم يكن موليير ملتحياً .
***** : يقصد هنا فيلم :
- المصفوفة, بأجزائه الثلاثة .“The Matrix”
تقوم أفلام ( الماتريكس ) على تعددية العوالم المسيرة من قِبل قوى مجهولة, و مجهولة المرامي و الغايات, إلى جانب القاسم المشترك الذي يجمع بين جميع الشخوص في عوالم الماتريكس و هو العبودية و الحاجة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق