الدكرورى يكتب عن صلاة الضحى
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن من فضل الله عز وجل على العبد المسلم أن يكون قلبه معلقا بالمساجد، يسارع إليها كل فريضة بمجرد ارتفاع صوت المؤذن مناديا حي على الصلاة حي على الفلاح، وكم جميل أن تستمر صلة العبد بربه سبحانه وتعالى، حتى في غير وقت الفريضة، حينما يجتزئ المحب لمولاه من وقته المزدحم بشؤون الحياة ومشاغلها، ولو جزءا يسيرا يقف فيه بين يدي مولاه العظيم، وخالقه الكريم، طاهرا متطهرا، ليؤدي صلاة هي من أعظم الصلاة النافلة، ألا وهي صلاة الضحى، مبتغيا بذلك الأجر والثواب من الكريم الوهاب، ولأن لصلاة الضحى زمنا محددا يكون الناس فيه مشغولين بأعمالهم، إلا أن هناك من يوفقه الله عز وجل، وييسر له اغتنام بعض الشيء من وقته لتأدية صلاة الضحى، وذلك تقربا إلى الله عز وجل ، وطمعا في ثوابه، وليكون بذلك واحدا من الموفقين الذين يحرصون.
على إحياء شعيرة من شعائر الدين، ويواظب على سنة من سنن المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، والتي ورد في فضلها أحاديث عظيمة، فعن أبي الدرداء وأبي ذر الغفارى رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الله تبارك وتعالى، أنه قال فى الحديث القدسى : "ابن آدم، اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" رواه الترمذي وصححه الألباني، وتعرف صلاة الضحى اصطلاحا بأنها الصلاة التي تؤدى فيما بين ارتفاع الشمس إلى زوالها، ويقصد بزوال الشمس، أي ميلها عن وسط السماء نحو الغرب، وأما معنى الصلاة والضحى في اللغة فهو الصلاة وهوالدعاء وهي عبادة لله سبحانه وتعالى، وهى مكونه من أركان مخصوصة، وشروط محصورة، وأذكار معلومة، ومعنى الضحى، وهى فى اللغة، مفرده ضحوة، وهو انبساط الشمس وامتداد النهار.
إلى أن يصفو ضوؤها، ويتبعه الضحاء، وهو ارتفاع الشمس إلى ربع السماء فما بعده، وصلاة الضحى، وتسمى أيضا صلاة الأوابين وهي صلاة تؤدى بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، وقيل بعد مضي ربع النهار، وصلاة الضحى، هى أحد أنواع صلاة النفل وحكمها أنها سنة مؤكدة عند الجمهور، خلافا للقول بأنها مندوبة في مذهب أبي حنيفة، وأقلها ركعتان، وأوسطها أربع ركعات، وأفضلها ثمانِ ركعات، وأكثرها اثنتا عشرة ركعة، وقد أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما فتح مكة في بيت أم هاني بنت ابي طالب وعددها ثمان ركعات في تسليمة واحدة وظنها البعض أنها صلاة ضحى لأنها كانت وقت الضحى، وقال ابن القيم: ثم دخل دار أم هانئ بنت أبي طالب فاغتسل وصلى ثمان ركعات فظنها من ظنها أنه صلاة الضحى وإنما هذه صلاة الفتح وكان أمراء الإسلام.
إذا فتحوا حصنا أو بلدا صلوا عقيب الفتح هذه الصلاة اقتداء بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وفي القصة ما يدل على أنها بسبب الفتح شكرا لله عليه فإنها قالت: مارأيته صلاها قبلها ولا بعدها، وقال ابن كثير في ذكر فتح المدائن، ثم تقدم ويعني سعد بن أبي وقاص إلى صدره، أي إيوان كسرى فصلى ثمان ركعات صلاة الفتح، وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: أوصاني خليلي بثلاث : "صيام ثلاثه أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أُوتر قبل أن أرقد أى قبل أن أنام " متفق عليه، وعن أبي ذر الغفارى رضى الله عنه قال عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" رواه مسلم.
ويقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه عز وجل، فى الحديث القدسى : " يقول الله: يا ابن ءادم، لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك، أَكفك آخره " سنن أبي داوود وهو صحيح، وعن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنه قال " من صلى الغَداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة" رواه الترمذي، وقيل أن هو حديث ضعيف، وقد حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عمرو بن مرة قال سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول ما حدثنا أحد أنه رأى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يصلي الضحى، غير أم هانئ فإنها قالت إن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات فلم أرى صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود.
وعن عدد ركعات صلاة الضحى، فقيل أن أقل صلاة الضحى ركعتان، وأفضلها أربع ركعات مثنى مثنى، أو ثمان ركعات، وقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده، قال: " سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: "ما حدثنا أحد أنه رأى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها قالت إن النبي دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات"، وعند الشافعي وعن أحمد بن حنبل أن أكثرها اثنتا عشرة ركعة، وعن السيده عائشة بنت أبي بكر عند مسلم: " كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء"، وعن نعيم بن همار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "يقول الله: ابن آدم، لا تعجزني من أربع ركعات من أول نهارك أكفك آخره" ويستحب أن تُصلى صلاة الضحى بسورتي الشمس والضحى، لحديث عقبة بن عامر.
قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي الضحى بسور منها والشمس وضحاها والضحى " ووقتها هو من ارتفاع الشمس إلى قبيل الزوال، وبالتحديد عندما ترمض الفصال لحديث زيد بن أرقم أن رسول الله قال: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال". قال الامام النووي: ترمض بفتح التاء والميم، والرمضاء الرمل الذي اشتدت حرارته من الشمس، أي حين يبول الفصلان من شدة الحر في أخفافها، وهي تبدأ من بعد شروق الشمس بربع ساعة، وينتهي وقتها قبل أذان الظهر بربع ساعة، وقد قلنا أن وقت صلاة الضحى يبدأ بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، أي بعد خمس عشرة دقيقة تقريباً، وينتهي قبيل الزوال، وهذا ما نص عليه الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية، وأفضل وقت لأدائها وهو وقت الاستحباب عند علو الشمس واشتداد حرها.
ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك، واستدلوا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال " أي حين تشتد حرارة الشمس، والفصال هي أولاد الإبل، ويعلم من ذلك أن آخر وقتها قبيل الزوال، ويسمى بقائم الظهيرة، وهو الوقت الذي نهى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عن الصلاة فيه لأنه وقت كراهة، حيث قيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينهانا أنى نصلى فيهن،أو أن نقبر فيهن،موتانا، حين تطلع الشمس بازغه حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيره حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب " وقد قدّره بعض العلماء بنحو عشر دقائق قبل دخول وقت صلاة الظهر، وقلنا أن صلاة الضحى سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد بن حنبل.
وأما عند أبي حنيفة مندوبة، وقد قال النووي: صلاة الضحى سنة مؤكدة، وهو مذهبنا ومذهب جمهور السلف، وبه قال الفقهاء المتأخرون كافة، وقد استدل العلماء على سنيتها بعدة أحاديث منها: عن أبي هريرة قال: "أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر" أخرجه البخاري ومسلم، وعن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما، عن رسول الله: " عن الله تبارك وتعالى، أنه قال: ابن آدم، اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " رواه الترمذي، وعن أبي ذر عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى".
وفى النهايه فإن هناك سؤال عن صلاة الضحى، وعن وقتها، وعدد ركعاتها، وكيف تؤدى، وهل يجب على الإنسان أن يقرأ فيها سوراً معينة أم أي شيء من القرآن؟ ويجيب على هذا السؤال إبن باز رحمه الله، فالجواب هو، أن صلاة الضحى سنة أوصى بها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بعض أصحابه وفعلها في بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام، وفعلها يوم الفتح صلى ثمان ركعات الضحى يوم الفتح، فهي سنة مؤكدة، ووقتها هو ما بين ارتفاع الشمس قيد رمح إلى وقوف الشمس الضحى كله، قبيل الظهر، فإذا صلاها في أول الوقت أو في أثنائه فقد أصاب السنة، لكن أفضلها عند اشتداد الضحى، وإذا اشتد الحر ورمضت الفصال كما قال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
في الحديث الصحيح " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" ويعني حين يشتد حر الرمضاء على أولاد الإبل، فصلاتها في الضحى في ارتفاع الضحى أفضل وإن صلاها بعد ارتفاع الشمس فقد حصلت السنة، ويقرأ فيها ما تيسر سوراً أو آيات ليس فيها شيء مخصوص، ويقرأ فيها ما تيسر من الآيات أو من السور، وأقلها ركعتان تسليمة واحدة، وإن صلى أربع أو ست أو ثمان أو أكثر يسلم من كل ثنتين فكله حسن، والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم صلاها يوم الفتح صلى ثمان ركعات وكان يسلم من كل اثنتين صلى الله عليه وسلم.