الخميس، 31 يناير 2019

نشيد العراق ( موطني ) اعتراف بالاحتلال بقلم سيدمحمد الياسري

نشيد العراق ( موطني ) اعتراف بالاحتلال 
بقلم سيدمحمد الياسري 
أحيانا توجد في حكاياتنا غواية ، ربما تشد فيما يشد افقها خيط متسربل للبحث ، لكن ربما يغوينا الشاعر عند يتحدث عن الم لايراه غواية ، بل يراه موجع جدا وما اصعب وجع الروح ! 
إبراهيم طوقان يشد رحله ويتركه للمهجرين ، ثم يرحل جسدا ويظل النشيد عالقا (( هل أراك )) فيما اغوته الكلمة عسى ان تخفف من وجعه بأمل ان يرى وطنا ، يراه المهجرون، في حين انه ليس السؤال رؤية فحسب ، بل انه أمل حتى العشق ، وخيال حتى يعيش معه ، وفيه ، وله ، لا امنية بل حقيقة ملتصقة للحقيقة وكأن الحلم الذي يبكي فيه فعلا يبكي لأجله ، شعر ربما كان ثقيلا على اللسان ، عسير في الغناء ( لولا لحنه ) ، لان ثقله دليل على ثقل الأرض التي استخف بها العالم ، ولم يستشعر بها غير ثلة بسيطة اما تدفع الأرواح لها قصرا او يدفع لها الموت مجانا .
النشيد الوطني ( موطني ) ، عبارة عن أمل ينتظر ، واقف ويشحذ الهمم ، ليس الا .. وفيه أمنية ابعد من التربة المسلوبة نهائيا ، لذا كانت تلك العبارة : (هل اراك) ... وظلت الأمنية تدور حول رؤية هل يرى الشعب الفلسطيني وطنه يوما غانما ؟ وسالما ؟ نعم ، فالسلامة تأكد منها إبراهيم طوقان جيدا : انها أصبحت امنية لا واقعا وكذلك الغنيمة الا انه يعيش فيهما لان المنطلق صارت فلسطين جزءا مغتصبا ، وكانت في عهده توجد بعض الأجزاء التي تشيّد وتنشد بالامنية أجزاء حية كان ينظر لها إبراهيم طوقان هي الحياة ، والنجاة ، والكرامة ، مما اثارته تلك الأجزاء انه يتأمل التحرير وتحقيق الأمنية التي بها يشيد لن يبقى عبدا وشبابه لايكل ولايبيد ، لايصيبه النصب والتعب ، لايمكن لشعب يوما يبيد فالشعب الفلسطيني ليس كالهنود الحمر يا أيها اليهود سيظل ولودا للحرية والشباب ، لذا تظل القصيدة امل التحرير ، وامل إبراهيم طوقان ان تتحرر بلاده فعلا من الاحتلال ، (وان تستقل) كما وردت من دون سيميائية للتحرير .
الموسيقار اللبناني محمد فليفل ملحن القصيدة حين لحنها سنة ١٩٣٤ م ، أعطى للقصيدة روح أخرى واظهر لها جسدا اخر ، متعلق بتلك السنة وماقبلها من السنين ، ربما ترك اثار الحزن ظاهرة استلهمها من إبراهيم طوقان نفسه ، لانه استودع فيها مسحة الحزن ، حيث ان بين طياتها تلك الحسرة المملوءة بالوجع اللامتناهي ، وهي التي أعطت ذلك الخلود ، بين الأمنية الحزينة والعزيمة التي لاتبيد رفض العبودية وانتظار الانتصار على عتبة الشباب الذي لايكل ، والمستقبل الذي يراه ستنتصر الشعوب يوما ما على أي محتل ، هذا ما اظهره الموسيقار بلحنه عندما مزج الحماسة مع الحزن فجعل لها روحا متجددة ومتغيرة مع تغيرات الوطن ، مازال سليب ... وما زال يرفض الذل والهوان والعبيد ... ومازال ( يستقل او يبيد ) ، بدائرة تعود ان البلاد غير مستقلة والابادة مستمرة حتى المستقبل كان مخاضه يعتصر الإبادة كمعصرة الزيتون ، فيخرج جيلا ينتظر ( يستقل او يبيد).
من المؤثر ان المغتربين اكثر التصاقا بهذا النشيد ، لان حزنه حزن بعد ، وامله امل العودة ، لهذا نراه النشيد الاغترابي الدائم والهجرة الدائمة والترحال في وقت لم يعد الوطن لابنائه وطن بل غربة ، ولعل الموسيقار محمد فليفل اختار الحزن بعدما ادرك ان في ايامها هجرة وتهجير ، حتى ان قضية العرب ( كساسة ) صارت بمؤتمراتهم إيقاف الهجرتين ، هجرة الفلسطينين الى خارج فلسطين، هجرة نزع وسلخ الجلد من الشاة ، وهجرة اليهود الى داخل فلسطين ، هجرة اللحم كي يلبس شاهٌ الجلد المصلوخ ، وهنا جاءت الأمنية تندفع بقوة الامل امل العودة ، وسؤال الرؤية التي كلما تقدم زمنا أصبحت ضعيفة جدا وباتت تغشو ليلا ويصيبها الضباب صباحا ً.
لعل سيميائية النص فيما تخص دلالة التكرار لفظا لا ايقاعا ، يظهر فيها الاغتراب واضحا وليس إشارة ، اما الإيقاع فانه يمسه مسا ويخلد في نفسه لوعتان لوعة الحزن ولوعة نشوة الامل بالانتصار ، لذا كانت سيميائية الهناء والحياة ابعد من امل ان الأبناء لايورثون الا الحرب والتربية توعز انه لابد من ان الأبناء والاحفاد ليس لهم طريق الترف ولا الحياة الطيبة المترفة ، لا حجاج للنص على الأرض ، فالحجاج اختفى كاشارة ان الفلسطينين هم الأصل وظهرت السيميائية كشعرية تطير كالنوارس على الشطآن ، هكذا هي القصيدة أمل العودة للمغتربين لا اكثر .
لا ابالغ في الوصف وليس غوايا فيه ، واعتز بابراهيم طوقان انه الشاعر الذي صدق ولم يعبر كبعض الشعراء بالتخييل وترك الواقع المملوء بالاغتصاب حتى الطمث ، لانه هكذا عبر بصدق الشعور اننا سنظل نولد ونتزاوج ونبقى نغرس في أبنائنا حب الوطن وندفعهم للموت كما جلبناهم للحياة ، ونبقى نهاجر الا اننا سنعود ولا نقول (متى؟) ففلسطين محتلة ارضا وهي احتلت قلوبنا .
نعم ، إبراهيم طوقان اعترف ان النشيد انشادا للأجيال لان ارضهم محتلة ولايصلح هذا النشيد الا لأرض الاحتلال ... فهل الساسة العراقيين على علم بذلك ، على ان اكثرهم – ساسة العراق - ممن يدرس الشعر جيدا ويمارسه كغواية لا يرى فيه غير ذلك ، ربما فاتهم ، وربما انهم مجبرون ، وربما ان النشيد واقعهم الذي ظل ينشدونه وهم يدركون انهم محتلون ... 
العراقيون اليوم يرددون ( هل اراك ) وتختنق فيهم العبرة التي زرعتها الهجرة الفلسطينية ، كان قريب جدا للمغتربين الهاربين ، وما ان دخلوا حتى خرج غيرهم وظل العراق حلقة الاغتراب كفلسطين ، ليس لاحتلال امريكي الان ، بل لان الاحتلال هنا مختلف : (كان ومازال) ، يوما ما كان العراق في نظر الخارجين – الان - سيادي وهم كانوا يغردون لامريكا ويقاتلون بمكانها ضد ايران ، بحرب دامت ثمان سنوات ، خرج فيها العراقيون اما من الحياة بالموت المجاني الذي زرعه صدام ، او بالهروب كي يحتضنوا نشيد ( موطني ) يغني بامنية الاستقلال وبامنية العودة للأرض المسلوبة .
من المؤسف -ان طيلة - حكم صدام حسين كان الشعب يظن انه قائد ، لا مساومة في ذلك ، مازلوا بعضهم يعيشون الخدعة ، او لعبة الغميضة ، صحيح ليس كل الشعب ، بل زمرته ، لكن اصبح شعار الشعوب العربية ، وبالطبع لايعرفون ان يقاتل بالنيابة ، وانه على جواد من خشب ، كجواد طروادة ، يختبيء فيه الامريكان متى ماانتهوا من ايران يحترق ذلك الجواد ويسقط القائد خاويا وتظهر بعض جرائمه ويغطى على بعضها ، لانها ستظر الجواد الخشبي وهذا ما لا تريدة القوى العالمية ...
لعبة الاحتلال ما أمرّها ! نعم ، طورا بصورة مخفية ، وتارة تكون بصورة علنية ، كما هي اليوم ، لقد احترق الحصان القديم وصنعت عربة حصان وليس حصان لكن هذه المرة مكتوب عليه بصراحة ( صنع في الولايات المتحدة ) ، جاء الحصان ويجر معه عربته المملوءة بالقادة ، وما اكثرهم ، لكن هذه المرة الحصان حقيقيا ، والعربة التي سيحرقها الشعب ، انها الورقة الرابحة لسلطة القوى العالمية ، ولسان حال أمريكا يقول : متى ما خرجتم من طوعنا واهدافنا سأحرقكم انكم خونة ويأكلكم الشعب الذي مازال يردد نشيده الوطني : (هل اراك ) ، و ( يستقل اويبيد ) سيقتلكم كي يروا بلادهم حرا ، ولن يكل حتى يرى السلامة ... 
نشيد من أراده المحتل ، ام المختل ، لا احد يعلم حتى الشعراء لحد الان لم يجدوا في قاموس شعرهم ان هناك نشيدا ليس فيه وجع او انتظار ، او مجد قديم يحتاج له التجديد ، شعب موجع منذ القدم لايستطيع حتى كتابة نشيده الوطني وتلحينه ... وقيادة فاشلة بقيت ١٣٩٨ سنة بالتحديد ، مختلفة النمط والطغيان وتغير الأهداف تحت ايدلوجيات باتت لاتتصل لا بدين ولا بحكمة انسان ، ولا بقدر دولة من أجل انسان ! بقدر ما صارت قانون اسمه دين ... ذهبت منه القيادة وظل يأن تحت الحاكم ، وينشد لايريد ، لايريد ذلا مؤبدا كالعبيد .... اعتراف حكومة وإقرار شعب من خلال نشيدة انه محتل ١٣٩٨ سنة، رقما لا ينسى ونحن في سنة ٢٠١٩ م ...
اعتراف بالنشيد انه يريد في المستقبل بإرادة شبابية قادمة وهذا هو الاختيار الأصعب ان يستقل اما الان فانه تحت طائلة بند الاستعمار .... او تحت محك ( يستقل او يبيد ) باي إبادة فيما بينهم بالدين ، بالانسانية ، بالقانون ، حاصلها ان هناك موت مجاني واعتراف وعلم مازال اسود واحمر ورقعته الخضراء والبيضاء قليلة بقدر الأمنية ، ومع هذا يموت وينشد نشيد الاعتراف انه .... محتل ... محتل 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

متهم بلا شهود بقلم الشاعر عثمان كاظم لفته

  ســيدي القـــاضـــي جلبوني اليكَ بلا احلام اليوم وغداً والماضي وهاأنذا بين يديكَ بلا احلام…  اذاً أنتَ ســـتــُقاضــي شخصا إفتراضــي وأنا ...