الثلاثاء، 14 أغسطس 2018

السؤال : بقلمي/د.صوفيا السمان/المغرب



السؤال :
السلام عليكم، اولا اتسائل عن مستوى الأخصائي النفسي، ثانيا، اجد انني إنسان لا يتفاهم مع احد، ارى الجميع بمستوى عالي من الغباء، إنغمست لاعوام في الدراسة والعمل، مما جعلني افهم معنى المسؤولية منذ صغر عمري ( 21 سنة ) مما جعلني بنسبة لي، اكبر في عيني، انا عظيم في عين نفسي، كانني الوحيد الذي تعرض لصراعات الحياة والمعانات والانكسارات، وبحيث ان لا احد كان شاهدا على اللحظات التي كادت تهزمني ولم تفعل، فبالتالي ارى الا الجميع ضعفاء بدون شخصية مخضرمة، مما يجعل الناس يرونني نرجسيا في غالب الاوقات، احاول ان اغير دلك لكن بدون جدوى حيث لا اكون متجانسا مع نفسي إلا بهده الصفة.
الجواب :
سيدي الكريم : مبدئيا، أنا أحييك : أولا على جرأتك في الاعتراف بوجود هذا الشعور لديك (الشعور بأنك أذكى من الآخرين)، وثانيا على رغبتك في التخلص منه. وما يجعلني أفعل هو أنك لست الوحيد الذي يعتقد أنه أكثر تميزا عن الآخرين؛ من حيث ذكائه والتجارب الموجعة التي عاشها، ومع ذلك فإن ثمة ناقوس خطر قد شرع يقرع داخلك، وقد استجبتَ إليه أول ما شعرتَ أن الأمر قد يحيد بك عن جادة الصواب، وهذا أمر مبشر في حد ذاته.
وكما ذكرتُ آنفا، فإن كل واحد منا يحب نفسه ويقدرها إلى حد بعيد، ويعتقد أنه الوحيد الذي عاش هذا الموقف أو ذاك، ويعتقد أن وجهات نظره هي الأفضل، وأن طريقة تفكيره هي الأمثل، وهذا الأمر عادي، وطبيعي في الإنسان السليم.
لكن متى يصبح الأمر خطيرا ؟
في حالتين متداخلتين :
حين يؤثر ذلك على إدراكه للواقع، أو طريقة تأويله.
حين يسبب له مشاكل على مستوى علاقاته الإنسانية.
التأثير على الإدراك.
في رسالتك وردت دلائل، على أن إدراكك للأمور لا تشوبه شائبة، ويمكن استنتاجها من العبارات التالية: “كأنني أنا الوحيد“. “كأنني” هنا تدل على أنك واثق في قرارة نفسك أنك لست الوحيد الذي تعرض لصراعات الحياة.
“أنا عظيم في عين نفسي” بمعنى أنك لست واثقا من أنك عظيم حقا ولكنك ترى نفسك كذلك.
وتقول أيضا: “لا أحد كان شاهدا على اللحظات التي كادت تهزمني ولم تفعل“، وهذا صحيح تماما، فلا أحد كان شاهدا على لحظات انكسارك، أو على الأصح، لا أحد شهدها كما شهدتها أنت. فلا يشعر بالآلام إلا من يعانيها حقا.
هل يسبب لك الأمر مشاكل على مستوى علاقاتك الإنسانية ؟
ليس تماما طالما أن الناس يرونك –على حد قولك- نرجسيا في أغلب الأوقات؛ أي ليس كل الأوقات، ناهيك عن أننا مجتمع نادرا ما يميز بين الثقة بالنفس والغرور والنرجسية.
رسالتك المختصرة لا تقول الكثير، ولكني أتوقع أن سبب مشكلتك هو أنك تعيش، في البيت أو العمل، داخل محيط غير ذلك الذي رغبت أن تكون فيه فعليا، محيط لا يعجبك، لا يليق بالطاقات الهائلة التي ترى أنك تملكها.. أنت تعيش بين أناس لا تستطيع التفاهم معهم لأنهم لا ينتمون إلى دائرة أفكارك، ولو كانوا أسرتك وأهلك الذين كبرت وترعرت بينهم؛ فالإنسان بقراءاته وتجاربه قد يتطور في اتجاهات مختلفة، وقد يحدث أن يشعر أنه منفصل عن محيطه وأنه لا ينتمي إليه، ولعل هذا هو ما يحبطك، ويجعلك غير قادر على التفاهم مع الأشخاص الذي تعيش بينهم.
ونصيحتي إليك، هي أن تستثمر طاقاتك في تحقيق ذاتك وطموحاتك، فأنت مازلت في عمر الشباب ومن هم في عمرك لم يبدؤوا حياتهم المهنية إذا ما زالوا في طور الدراسة أو العطالة، هذا الكلام يعني أن الوقت لم يفت لتبرهن لنفسك وللمحيطين بك عن هذا المستوى العالي من الذكاء الذي تملكه فعليا.
ولا تنس أن أفضلية الناس في الواقع، لا تتحدد بقدر ما يعرفون، أو بقدر ما مروا به من تجارب، طالما تلك أمور ذاتية تبقى في ذهن صاحبها فقط، إنما تتحدد أفضلية الناس بقدر ما ينتجون، فعامل النظافة؛ الإنسان البسيط الذي ربما لم يتجاوز حتى المستوى الابتدائي في تعليمه قد يكون أفضل من شخص متحصل على الدكتوراه، يقرأ عشرة كتب ضخمة في الشهر، وكل ما يفعله في حياته هو أن يأكل وينام دون أن ينتج أي نوع من أنواع المعرفة. وكذلك الأم البسيطة التي تربي أبناءها وتطعمهم وتحرص على نظافتهم وسلامتهم قد تكون أفيد للمجتمع وللبشرية من امرأة تحصلت على أعلى الشهادات ولكنها تذهب كل صباح إلى محل عملها لتدردش عبر هاتفها الذكي.
وأدعوك إلى التوقف عن القول إنك نرجسي، فالنرجسية اضطراب نفسي له أعراض لم تأت على ذكرها ولم تتضح مِن رسالتك. ولكن قل إنك إنسان مميز داخل وسط اجتماعي لا يسمح لك بإبراز طاقاتك، وأنه بوسعك تحسين وضعك أكثر والحرص على أن تحيط نفسك بأصدقاء يبادلونك الأفكار والمعارف حتى تستطيع التواصل معهم بشكل جيد.
ثم لا تنس سيدي الكريم، أننا نتفاوت من حيث مستوياتنا العلمية، ونوعية المعارف التي تحصلنا عليها، وأن لكل واحد منا تجاربه الحلوة والمرة في هذه الحياة؛ لهذا فإنه يتعين عليك أن تحترم وجهات نظر الآخرين ولو كانت متواضعة أو خاطئة أو لا أهمية لها من الأساس في رأيك؛ فما فائدة أن تقنع رجلا في التسعين من عمره أنّ الأرض تدور حين يكون هو واثقا أنها ثابتة مستقرة؟ ثم هل يحق لك أن تعتبر نفسك أفضل منه فقط لأنك تعرف ما لا يعرف؟
هناك أمور لا يمكن أن نقنع الآخرين بها، وكلما ناقشناهم وجادلناهم بخصوصها خسرناهم وقبل ذلك خسرنا من جهدنا وطاقتنا ما يمكن أن نستثمره في فعل أكثر أهمية.
وتذكّر ليس كل محب لذاته نرجسي.
أرجو لك كل التوفيق.
بقلمي/د.صوفيا السمان/المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

متهم بلا شهود بقلم الشاعر عثمان كاظم لفته

  ســيدي القـــاضـــي جلبوني اليكَ بلا احلام اليوم وغداً والماضي وهاأنذا بين يديكَ بلا احلام…  اذاً أنتَ ســـتــُقاضــي شخصا إفتراضــي وأنا ...