.
(الامثـــــــال في ســــــــورة البــــقـــــــرة )
1
بســـــــــــم الله الرحمن الرحيم
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * ).
سورة البقرة الاية \ 17
الحمد لله:
بعد ان وصف القران الكريم في اول سورة البقرة المؤمنين انتقل الى وصف الكفار فوصفهم بما هم فيه من الكفر والالحاد ثم انتقل الى فئة اخرى هي اشد خطرا على المؤمنين من الكفار وهم المنافقون اولئك الذين جاء فيهم :
( اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين *)
سورة البقرة : الاية \16
ثم ضرب بهم مثلين احدهما يتمم الاخر
الاول :
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ *).
سورة البقرة الاية \17
فقد اخبر الله تعالى رسوله الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ان المنافقين هم اولئك الذين امنوا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم فهم اخبث من الكافرين وابغضهم الى رب العالمين واشد خطرا على المؤمنين من الكفار فهم اشبه بذوي الوجهين به هم هم . مذبذبين لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء, فهم يظهرون محبتهم للمؤمنين وايمانهم بالله تعالى وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين و يظنون ان خداعهم هذا سيبقى غير معروف وسينطلي على المؤمنين , فهم واهمون فقد عرفهم المؤمنون انهم مخادعون و لا يخدعون الا انفسهم لان المكر السيئ لا يحيق الا بأهله والمنافقون اهل له وقد بين الله تعالى انهم في جهنم خالدون وموقعهم من النار في يوم القيامة فقال فيهم :
( ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار )
سورة النساء الاية \145
فهم في اسفل دركات جهنم واشدها استعارا وهم اعداء الله فضرب بهم المثل فشَبَّهَ الله تعالى أَعْدَاءَهُ الْمُنَافِقِينَ بِقَوْمٍ أَوْقَدُوا نَارًا في ليلة مظلمة شديدة الحلكة لِتُضِيءَ لَهُمْ وَيَنْتَفِعُوا بِهَذه النار ، فَلَمَّا أَضَاءَتْ لَهُمُ ما حولهم فَأَبْصَرُوا مايحيط بهم من خلال ضَوْئِهَا ومَا يَنْفَعُهُمْ وَيَضُرُّهُمْ وَأَبْصَرُوا الطَّرِيقَ بَعْدَ أَنْ كَانُوا حَيَارَى تَائِهِينَ في ظلام دامس فهم كَقَوْمٍ مسافرين في ليل مظلم شديد الحلكة فضَلُّوا عَنِ الطَّرِيقِ فأَوْقَدُوا نَّارا لِتُضِيءَ لَهُمُ الطَّرِيقَ ويستضيؤون بها فَلَمَّا أَضَاءَتْ لَهُمْ وأَبْصَرُوا ما حولهم وَعَرَفُوا مكانهم انطُفِئَتْ تِلْكَ النَّار فساد الظلام واشتد سواده وتاهت عليهم الامور فَبقُوا فِي الظُّلُمَاتِ واقفين تائهين لَا يُبْصِرُونَ كانما اغلقت الدنيا عَلَيْهِمْ واطبقت وَسُدَّتْ عَلَيْهِمْ أَبْوَابُ الْهُدَى فَلَا تَسْمَعُ قُلُوبُهُمْ شَيْئًا ولا حسيسا وَلَا تُبْصِرُعيونهم ما حولهم فابصارهم حديد لانها تكاد تكون مغلقة بسبب اسوداد الليل وظلامه وما يكتنفهم فيه وتجمدت عقولهم فلَا تَعْقِلُ مَا يَنْفَعُهَا. فكانهم لا يملكون سمعا ولا بصرا ولا يستطيعون النطق فاخرست ألسنتهم فبقوا كانهم خشب مسندة لَمْ يَنْتَفِعُوا بِأَسْمَاعِهِمْ ولا بأَبْصَارِهِمْ ولا بَقُلُوبِهِمْ وَلَا بعَقْولهم .
ولو تتبعنا امور هؤلاء المنافقين ودققنا في حالاتهم لوجدناهم مرضى نفسيا فنفوسهم مريضة واعتراهم اختلال في امزجتهم واعتلال في قلوبهم لما فقدوه من امور مجتمعية اثرت على امزجتهم واخلاقهم .
ومثل ذلك في خداع هؤلاء المنافقين في حياة الحبيب المصطفى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ,ان عبد الله بن ابي سلول كان راس المنافقين في المدينة المنورة قد التقى بجماعة من المسلمين وقد اسر الى من معه من المنافقين فقال لهم :
- انظروا كيف اخدع هؤلاء السفهاء واردهم عنكم ويعني بهم صفوة المؤمنين .
فذهب مرحبا بابي بكرالصديق اخذا بيده قائلا له :
- مرحبا مرحبا بالصديق سيد بني تيم وشيخ الاسلام وثاني رسول الله في الغار .
ثم اخذ بيد عمر بن الخطاب قائلا :
- مرحبا بسيد بني عدي الفاروق القوي في دينه الباذل نفسه وماله لرسول الله .
ثم اخذ بيد علي بن ابي طالب قائلا :
- مرحبا بابن عم رسول الله وصهره وسيد بني هاشم خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالتفت اليه علي وقال له :
- يا عبد الله اتق الله ولا تنافق فان المنافقين شر خلق الله .
فرد عبد الله ابن ابي سلول عليه :
- والله ان ايماننا كايمانكم وتصديقنا كتصديقكم
ثم افترقوا
فقال عبد الله لاصحابه من المنافقين :
- كيف رايتموني فعلت ؟ فاذا رايتموهم فافعلوا كما فعلت .
فاثنوا عليه خيرا وقالوا له :
- مانزال بخير ما عشت فينا.
ورجع المسلمون الى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فاخبروه بما حصل فانزل الله تعالى :
( واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤون * الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم * اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين*)
سورة البقرة الايات \14- 16
فالمنافقون اذا لقوا المؤمنين او صادفوهم ادعوا انهم مؤمنون واذا انفردوا ببعضهم او بكبار المنافقين منهم او دعاتهم او انصارالباطل قالوا لهم :
- انا معكم في العقيدة والدين انما نحن نسخرمن هؤلاء المؤمنين بالتظاهر بالايمان . وانا بهم مستهزؤون .
وفي هذا المثل دلالة على أن المنافقين آمنوا ثم كفروا كما أخبر الله تعالى عنهم في مواضع عديدة من القران الكريم . وكان هذا التشبيه في غاية الصحة عن حالتهم لأنهم بإيمانهم اكتسبوا نورا الا انهم فقدوا هذا النور بنفاقهم فوقعوا في حيرة عظيمة وظلام مقيم.وقيل لهذا المثل مثل ناري لانه ابتدأ : ( كمثل الذي استوقد نارا ..... ) فهو مثل ناري
والله تعالى اعلم
**************************************************
2
بســـــــــــم الله الرحمن الرحيم
( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يجعلون اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم . ان الله على كل شيء قدير *)
سورة البقرة \ الآيات : 19-20
الحمد لله :
وهذا هو المثل الثاني الذي ضربه الله تعالى بحق المنافقين فهم قوم ظهر لهم الحق وعرفوه الا ان قلوبهم منكرة له فقلوبهم في حال شكهم و شركهم وكفرهم وترددهم كما وصفها الله تعالى في هذا المثل: صيب والصيب المطر فهو كالمطر نزل من السماء في حال ظلمات في قلوبهم وهي الشكوك والكفر والنفاق ورعد وهو ما يزعج القلوب من الخوف فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع كما قال تعالى :
(يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو قاتلهم الله انى يؤفكون ... *)
سورة المنافقين الاية \4
وقال الله تعالى ايضا :
(ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون .لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون*)
سورة التوبة : الاية \ 56
اما البرق وهو ضوء يخرج اثراصطدام الغيوم المشبعة بالكهربائية فهو يمثل ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان ولهذا قال الله تعالى في صفتهم :
(يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين*)
سورة البقرة : الاية 19
أي لا يجدى عنهم حذرهم شيئا لأن الله محيط بقدرته العظيمة بهم فهم تحت مشيئته وإرادته وحكمه وتصرفه وكقول الله تعالى :
(هل أتاك حديث الجنود* فرعون وثمود * بل الذين كفروا في تكذيب *والله من ورائهم محيط *) .
سورة البروج : الايات 17- 20
فالله تعالى يشبه حالة المنافقين بحال من أصابهم مطر غزيرهطل من السماء، في ليلة مظلمة مليئة بوميض البرق وزمجرة الرعد، كلما أضاء لهم نور من البرق مشوا فيه، وإذا انزاح النور أظلمت الدنيا عليهم وقفوا حائرين لا يدرون أين يذهبون، وهم في هذه الحالة خائفون فزعون، فإذا لمع البرق كاد أن تنخطف منه أبصارهم، وإذا قصف الرعد جعلوا أصابعهم في آذانهم مخافة من الموت من شدة وهول صوت الرعد القاصف وهلعا منه .
فالمنافقون متلبسون في ظاهرهم بالإسلام الذي هو كصيب من السماء، ولكنهم يشعرون حقيقة بقلق واضطراب، ويتأرجحون بين لقاء المؤمنين وعودتهم للمشركين او الكافرين او للشياطين، بين ما يقولونه بألسنتهم وما تخفيه صدورهم، بين ما يطلبونه من هدى ونور، وما يفيئون إليه من ضلال وظلام، بين ما يريدونه من انوار الإسلام وثمراته، وما يخافونه من تبعاته ووظائفه وزواجره.
فمثلهم كمثل من خرجوا في ليل مدلهم مظلم شديد الظلام والحلكة ليل ملبد بالغيوم الثقيلة الشديدة تتحمل هذه الغيوم بالمطر والرعد والبرق فاستوقدوا نارا ليستضيؤا بها فلما أضاءت ما حولهم فاذا بالرياح والمطر الشديد يطفؤها واذا بالرعد والبرق يرهبهم ويخيفهم ويخطف ابصارهم فهم يرتجفون منه خوفا وهلعا . فاذا برق البرق وتبعه صوت الرعد الرهيب شديدا اغمضوا اعينهم ووضعوا اصابعهم في اذانهم خوفا من اصابتهم بالصواعق او خوف الصوت الشديد ان يودي بهم الى الموت . فاذا برقت السماء وانارت لهم مشوا خطوة او خطوتين وانكبوا على وجوههم من هول صوت الرعد . حتى اذا ذهب نور البرق وهو سريع الاختفاء داخلهم الخوف والهلع وضلوا الطريق فهم يتمنون ان يكونوا طرشانا في تلك الساعة كي لا يسمعون صوت الرعد المدوي وعميانا كي لا يرون البرق فيصيبهم العمى الوقتي .
فالله تعالى قادر على ان يفقدهم السمع والبصر- وهما نعمتان انعم الله تعالى بهما على البشر- الا ان الله تعالى ابقى لهم السمع والبصر ليزيد من عذابهم في الحياة الدنيا فهم قد امنت السنتهم وكفرت قلوبهم فمرضت نفوسهم فزادها الله تعالى مرضا على مرض ولهم عذاب اليم شديد الوجع والوقع في يوم القيامة جزاء بما كانوا في حياتهم الدنيا يكسبون . وربما كانوا ينحنون خوفا وهلعا عند رؤية البرق الذي يخطف او يخلب ابصارهم وعند سماع صوت الرعد المزمجر فاذا ذهب ضوء البرق الذي خطف ابصارهم وصوت الرعد الشديد واشتد سواد الليل عدلوا قاماتهم أي اصبحوا قياما او قائمين والخوف يملأ قلوبهم وترتجف اجسادهم لكننهم لا يرون شيئا كانهم ليست لهم عيون او انتزعها الله تعالى منهم وذلك جزاء المنافقين والمخادعين وما يخدعون الا انفسهم ولكن لا يشعرون.
راجع كتابي من هذه الموسوعة ( يوم القيامة في القران الكريم )
فهذان المثلا ن الاول والثاني يوضح الله تعالى بهما شأن المنافقين الذين لا يجدون في أنفسهم الشجاعة ليواجهوا الحق بالإيمان الصريح ولا يسطيعون مواجهة الحق بالإنكار الصريح، فهم يتحلون بظاهر من الدين كذبا ونفاقا ليكسبوا مغانمه ويتقوا مغارمه، ولكنهم يعودون في نهاية الأمر خائبين خاسرين.
ففي المثال الأول: يشبه الله تعالى حال المنافقين بحال من استوقد نارا ليستضيء بها، ولكنها ما كادت تضيء ما حوله حتى تنطفي ويعود الظلام يلف الكون من حوله من جديد، لتبقى نفسه في حسرة حيرة وشك وضياع.
وفي هذه الآية مثل ضربه الله لمن آتاه شيئا من الهدى فأضاعه واستمر في نفاقه وما جبلت عليه نفسه ولم يتوصل به إلى النعيم المقيم وبقي متحيرا ضائعا لا يجد نفسه الا في ضلال .
وفي المثال الثاني: يشبه الله سبحانه حال المنافقين بحال من أصابهم مطر غزير يهطل من السماء في ليلة مظلمة . كثر وميض البرق وزمجرة الرعد كلما أضاء لهم نور البرق مشوا فيه واذا اختفى نور البرق او انطفأ فيشتد الظلام عليهم وإذا أظلم عليهم وقفوا حائرين لا يدرون أين يذهبون، وهم في حالة من الخوف والرعب الشديد المفضي الى الفزع، فإذا لمع البرق كادت أن تنخطف منه أبصارهم، وإذا قصف الرعد جعلوا أصابعهم في آذانهم مخافة من صوته الراعد الشديد ان ينتزع انفسهم من اجسادهم .
فالمنافقون متلبسون بالاسلام في الظاهر والذي هو صيب من السماء، ولكنهم يشعرون حقيقة بقلق واضطراب، ويتأرجحون بين لقاء المؤمنين في عملهم وتكاليفهم وايمانهم وبين عودتهم للشياطين، وبين ما يقولونه بألسنتهم وما تخفيه صدورهم وبين ما يرجونه من هدى ونور، وما يفيئون إليه من ضلال وظلام دامس وظلم شديد وما يريدونه من نور الإينان وثمراته، وما يخافون من تبعات هذا الدين الجديد واركانه وتكاليفه وزواجره ونواهيه .
والله تعالى اعلم
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع لطفــــــــــــــــــــا
*****************************************************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق