منذ نعومة قدماي التي تتكيء على الأرض، ويداي تشابك يد أمي، بضحكاتها وحنانها، تبث في جسدي قوة تدفعني للنهوض، ودفع الخطوات الأولى والأخرى حتى تسجل نصرا على مرحلة الزحف، وتجري خطواتي، والفرح يعلوا أمي ويغطيها وكأنها وجدت كنزا.
ومرت الأيام مرورا ك حلم سريع، وجيراننا تزورنا مع ابنتها ذو الشعر الأسود القاتم، يداعب طولها ذات الأربع سنوات، نصعد الدرج المؤدي إلى الغرفة في الطابق العلوي، وصعودنا يضحك الناظرون، لأننا نستعين بأيدينا حتى نتسلق درجة تلو الأخرى. ونلعب بخيالنا الطفولي البسيط، لعبة فيها أمل في بناء بيت، نرتب مكانا للنوم وآخر للطعام، ونضع وسادة، أضع يدي تحضن رأسها، ننام بصورة عفوية، لاتعرف قلوبنا الخيانة.
والأعوام تترى تسير ك الرياح المسافرة، وحبنا تكبر أشواقه، وننتظر ساعات الفرح واللقاء والهلاهل التي تزين البيوت والشوارع، وتحقق العرس ذكرى طيبة.
باسمة العروسة ظلت صورتها تغطيه من كل جانب، ويديها أشعلتها شموعا كي يسير على درب عيونها التي ماأنفكت في كل يوم تجعل عرسها يتجدد، وتصنع كل الفنون لتكون لياليه خضراء وعطرها أخاذ.
لكن الرياح لا يعجبها السير بهدوء، فهي تحب صراخ المستصرخين، ويؤنسها كلمات المناجات التي تخترق خطوطها إلى أعالي السماوات.
بدأ نقال العريس ترن موسيقاه من المكالمات والرسائل التي تأخذ وقته في غرفة مكتبه، بدأ الإنذار في قلبها دبيب النحل، واقدامها تنتقل بلا خطوط مستقيمة، وعلى أطراف قدميها أحيانا وترسل سمعها إليه، لعله يداعب حروف إسمها حتى تخترق الحواجز، وترمي نفسها في أحضانه.
رياح هبت على مشاعره، وانطفأت مصابيح أيام الطفولة، وكلمات العهد والوعود والورود، كل ذلك كان حبرا على ورق واندلق عليه الماء إلى أسفل الأرض، وغادرت كل القبل التي رسمت من الطفولة.
خيوط الشك في قلبها أصبحت عشا فيه غراب ينعق، وأعطت ليديها أن ترسم طريقا تنظر فيه دقات قلبه، أيذكر أيام الوفاء والطفولة، أم ترك دروبه واختار طريقا زاغت عنه الأبصار.
دقات قلبه ب لحن لا يحمل حروفها، واصبح هواها لايملأ جوفه، وكلماتها لاتجد طريقا مرضيا، سار في طريق الصبايا التي لايعرف عطرهن الوفاء لرجل واحد.
عطور الخيانة طرق فكرها، وأصبحت تقلب كفيها، وبصرها يحتضن قطع السحاب المتجاورات ،ل تضع صفعة مدوية في ساحته التي ملئت بدخان الأوراق البالية.
خنجره الذي مزق الصور التي صفت في الألبوم الموشح بقلب الحب، خنجر هدم صروح الطفولة والأيام التي عاشتها بتقلباتها، وعصارة الأيام التي مسحتها بريقها المنسدل من شفتيها.
تداخلت الصور في الذاكرة التي دخلتها ريح صفراء ومزقت كل رسائل الحب، واصبحت تتقلب الحروف إلى صدى صوت غير معروف.
يا باسمة دعيه وارحلي باسمك الجميل، وثوبك الطاهر الذي تتمناه الفتيات، وأسماء أهلك المكتوبة بأحرف من ذهب، هذا النداء الروحي العميق ينبض من الشجرة التي سقتها أمها، وقطعت من ايامها وسعادتها لتضع كحلا تكون ألقا ساطعا يشع على النجوم.ابوشيماء كركوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق