جورنال ألير
يتمدد الماء في التكوين الأزلي مسطحاً و كامناً و بحاراً في كل من الأرض و المخلوقات و الحركة و التاريخ ليصبح لعاب الكون و طاقته و طهارته و دموعه السخية و ضبابه الغامض و غيومه الساخرة و دمه المنسكب تصارعاً و اندماجاً و حباً و عنفاً و حتى العقل يمكن أن يكون له ماؤه الذكي الذي يحفظه من تحوله إلى مسطحات من الجليد البارد و الهابط الحرارة و الخالي من الذكاء ، و يرى المرء بأنه عندما تتهادى شمس الغروب مستثيرة حمرة الخجل على سطح الماء فإنما تصنع هذا المشهد الرومانسي الساحر الذي يدفع الفؤاد للتخلي عن الواقع المأساوي و الضبابي الذي يقود الإنسان عند الإمعان الطويل إلى القفز من بين غيوم الأسئلة و الاستفسارات ، و أما مشهد إشراق الشمس فيعكس على السطح الغامض الممتد للماء إحساساً دافقاً بالأمل دون تمويه رغم أن التمويه يأتي من الماء كما في الكثير من الأحاديث و العبارات كالقول ماهت البئر أي ظهر ماؤها و لنجاح التمويه فلا يجوز إغفال إضافة شرائح كثيرة من أصناف الناس الذين يُخاطبون عموم الشرائح المجتمعية و يتلاعبون أمامهم بالحقائق و الوقائع و ينقلون بغير أمانة أخبار السيول الجارفة .
يُعد الماء الذي يبدو أحياناً ساكناً أو هادئاً القادر الوحيد تماماً على أن يكون هادراً و يحتضن في اتساع أمواجه الكاسحة أعتى الأساطيل و من ثم ينداح رقيقاً كالنسيم أو يندفع عابثاً من علو ارتفاع الشلالات ليغمر الواقع بالارتجاف ليجعل السماء تبتسم في تخاذل و هي تعانق و تحتضن قوس قزح ، فالماء قصيدة غامضة التفاعيل و نغمات عذبة من المياه الموسيقية و إيقاعات غرام حالم في جندول قصيدة مُتماوج يصعب الخروج منه دون بوح الأشواق في دفق موسيقي يُطرب القريب و يجذب البعيد على حافة بحيرة زمن الأساطير .
الماء عالم واسع له مخلوقاته التي تسعى بين أمواجه و في أعماقه و ضمن تلافيف شعبه المرجانية و حين تمور عيون الأرض بمائها الفاتن العذب و تتلمسه الأيدي و تلامسه الأبدان فيريق في الكيان حبوراً و متعة لا حدود لها تضاهي سعادة أهل سفينة نوح بعد انحسار مياه الطوفان ، و للماء أنواع متعددة و منها الماء العذب الذي تقل فيه نسبة الأملاح الذائبة ليصبح شراباً سائغاً و منها الماء المعدني الطبيعي الخارج من جوف الأرض و به أملاح معدنية تُكسبه طعماً خاصاً و تُضفي عليه خواصاً طيبة و منها الماء المقطر الناتج عن آلية تكثيف البخار و هناك الماء الثقيل الذي يتم إعداده بزيادة عنصر الأوكسجين فيه ليصبح جزءاً مهماً و حساساً في بعض عمليات التصنيع الهامة و هناك أيضاً ماء الورد المُستساغ في أغلب المناسبات و لعل أميز و أغلى أنواع الماء قاطبة هو ماء الوجه الذي يريق على المحيا الإنساني صورة الرونق و الألق و تقاسيم العزة و الكرامة و النضارة و شعاع الإشراق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق