الجمعة، 18 مارس 2022

المُتألق الهادر بقلم د. بشار عيسى

 

جورنال ألير

يتمدد الماء في التكوين الأزلي مسطحاً و كامناً و بحاراً في كل من الأرض و المخلوقات و الحركة و التاريخ ليصبح لعاب الكون و طاقته و طهارته و دموعه السخية و ضبابه الغامض و غيومه الساخرة و دمه المنسكب تصارعاً و اندماجاً و حباً و عنفاً و حتى العقل يمكن أن يكون له ماؤه الذكي الذي يحفظه من تحوله إلى مسطحات من الجليد البارد و الهابط الحرارة و الخالي من الذكاء ، و يرى المرء بأنه عندما تتهادى شمس الغروب مستثيرة حمرة الخجل على سطح الماء فإنما تصنع هذا المشهد الرومانسي الساحر الذي يدفع الفؤاد للتخلي عن الواقع المأساوي و الضبابي الذي يقود الإنسان عند الإمعان الطويل إلى القفز من بين غيوم الأسئلة و الاستفسارات ، و أما مشهد إشراق الشمس فيعكس على السطح الغامض الممتد للماء إحساساً دافقاً بالأمل دون تمويه رغم أن التمويه يأتي من الماء كما في الكثير من الأحاديث و العبارات كالقول ماهت البئر أي ظهر ماؤها و لنجاح التمويه فلا يجوز إغفال إضافة شرائح كثيرة من أصناف الناس الذين يُخاطبون عموم الشرائح المجتمعية و يتلاعبون أمامهم بالحقائق و الوقائع و ينقلون بغير أمانة أخبار السيول الجارفة .

يُعد الماء الذي يبدو أحياناً ساكناً أو هادئاً القادر الوحيد تماماً على أن يكون هادراً و يحتضن في اتساع أمواجه الكاسحة أعتى الأساطيل و من ثم ينداح رقيقاً كالنسيم أو يندفع عابثاً من علو ارتفاع الشلالات ليغمر الواقع بالارتجاف ليجعل السماء تبتسم في تخاذل و هي تعانق و تحتضن قوس قزح ، فالماء قصيدة غامضة التفاعيل و نغمات عذبة من المياه الموسيقية و إيقاعات غرام حالم في جندول قصيدة مُتماوج يصعب الخروج منه دون بوح الأشواق في دفق موسيقي يُطرب القريب و يجذب البعيد على حافة بحيرة زمن الأساطير .

الماء عالم واسع له مخلوقاته التي تسعى بين أمواجه و في أعماقه و ضمن تلافيف شعبه المرجانية و حين تمور عيون الأرض بمائها الفاتن العذب و تتلمسه الأيدي و تلامسه الأبدان فيريق في الكيان حبوراً و متعة لا حدود لها تضاهي سعادة أهل سفينة نوح بعد انحسار مياه الطوفان ، و للماء أنواع متعددة و منها الماء العذب الذي تقل فيه نسبة الأملاح الذائبة ليصبح شراباً سائغاً و منها الماء المعدني الطبيعي الخارج من جوف الأرض و به أملاح معدنية تُكسبه طعماً خاصاً و تُضفي عليه خواصاً طيبة و منها الماء المقطر الناتج عن آلية تكثيف البخار و هناك الماء الثقيل الذي يتم إعداده بزيادة عنصر الأوكسجين فيه ليصبح جزءاً مهماً و حساساً في بعض عمليات التصنيع الهامة و هناك أيضاً ماء الورد المُستساغ في أغلب المناسبات و لعل أميز و أغلى أنواع الماء قاطبة هو ماء الوجه الذي يريق على المحيا الإنساني صورة الرونق و الألق و تقاسيم العزة و الكرامة و النضارة و شعاع الإشراق .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

متهم بلا شهود بقلم الشاعر عثمان كاظم لفته

  ســيدي القـــاضـــي جلبوني اليكَ بلا احلام اليوم وغداً والماضي وهاأنذا بين يديكَ بلا احلام…  اذاً أنتَ ســـتــُقاضــي شخصا إفتراضــي وأنا ...