الزائر الابيض بقلم علي الشافعي
اهلا بك ايها الزائر الجميل , مرحبا بك على امتداد رقعة الوطن الحبيب , يا نبع الخير والعطاء والبركة . مرحبا بك ايها القادم حاملا الوعد بموسم زراعي وفير . وقعْتَ في قلوبنا موقع الغائب الغالي المنتظر . (على الطائر الميمون يا خير قادم) . ولكن ــ يا دام عز ابائكم واجدادكم ــ اعتدنا تضخيم الامور بغيرما سبب , ونجعل من الحبة قبة , ومن النملة فيلا . كيف ؟ اقول لكم :
تبدا اولا بعض وسائل اعلامنا المحترمة , وفضائياتنا التي هي اكثر من الهم على القلب الترويج للموضوع , وتغطية الحدث اكثر من تغطياتها لحروب الامة ومآسيها , تقطع بثها المعتاد , وتأخذ ببث النشرات الجوية المفصلة تفصيلا مبالغا فيه , لا يخلو عادة من التضخيم والتفخيم والتهويل والتشويق , ثم تقوم بالاتصال بمراسليها لنقل الحدث لحظة بلحظة , مع ملاحظة غياب هذه الوسائل عن كثير من الاحداث الجسام . تبدا بإسداء النصائح : ينصح بالاستعداد لهذا المنخفض بتخزين المواد الغذائية والمحروقات , ومن ثم ملازمة البيت وعدم الخروج الا للضرورة القصوى , ينصح بعدم ارسال الاطفال الى المدارس خوفا من نزلات البرد . و ينصح وينصح .....
طبعا يخاف المواطن ويحس ان الامر جد خطير, وانه سينقطع عن العالم مدة من الزمان , ولا بد ان يجهز نفسه لهذه الظروف الطارئة , وتبدا الطوابير على المخابز ومحلات الخضار والبقالات , ويسيل لعاب التجار فترتفع السلع وتصبح ضعف ثمنها , والمبرر شحّها في السوق بسبب الظروف الجوية . وتبدا الازدحامات المرورية التي تذكرنا بليالي الاعياد , والتي ربما تسبب بعض الحوادث المرورية لا قدر الله . كل ذلك بسبب تساقط بعض الثلوج التي لا يزيد ارتفاعها في افضل الظروف عن عشرين سم . بينما تنقل لنا وسائل الاعلام في الدول الاوروبية موجات من البرد والثلوج التي قد يصل ارتفاعها في اقل تقدير الى المتر وما سمعنا بتعطيل دراسة او ارتباك في حركة السبر, او ازدحام على المخابز والمتاجر . لماذا عندنا نعطي كل شيء اكبر من حجمه ؟ لست ادري . مع اننا اقل شعوب الارض حرصا على حياة وتجنبا لمسببات المرض .
والشيء بالشيء يذكر ,ففي عام 1972التحقت بالجامعة الاردنية , واذكر ان موقف باص الجامعة كان في شارع متفرع من سارع صلاح الدين , قرب المنطقة الاثرية المسيجة الان المعروفة ( سبيل الحوريات) , واذكر انه كان عند الموقف مطعم شعبي , ومخبز قديم على نظام بيوت الاقواس أي السقف الجملوني , او ما يسمى بالعقد , كان صاحب المطعم رجلا في الاربعين يحمل ابتسامة لا تفارق وجهه , وكان المطعم صغيرا يتسع لحوالي أربع او خمس طاولات مصفوفة على الجدار . واذكر اننا كنا في ايام برد عمّان القارص وصقيعها الذي يقص المسمار كما يقال في المثل , وثلوجها التي تعدت سنتها 50سم ؛ ندخل المطعم طلبا لدفء الاجسام والبطون قبل انطلاق الحافلة بنا الى الجامعة . يجلس احدنا على الطاولة , يحضر صاحب المطعم وبيده صحن متوسط الحجم يسمى السرفيس , يحتوي على شريحتين من الخيار ومثلهما من الفلفل والفجل والليمون , وراس بصل ابيض جميل , وضمة صغيرة من النعناع والبقدونس , ثم يسأل ماذا تحب . فتطلب اما صحن حمص او فول او مسبحة , وفي ثوان تجد امامك الصحن المطلوب , تعلوه طبقة وفيرة من زيت الزيتون الخالص الذي لا يعرف الغش , يضعه امامك ثم ينطلق ويحضر لك صحنا صغيرا فيه خمسة اقراص من الفلافل , وباليد الاخرى كوبا من الشاي (الجامبو ) . يضعها امامك وينطلق الى المخبز ليحضر لك رغيفا من الخبز المشروح , يحرص على ان يكون خارجا لتوه من بيت النار . فتتناول وجبة هنيئة مريئة دفيئة , وكنا ندفع ثمنا لهذه الوجبة اربعة قروش ونصف . تري لو اردت ان تتناول اليوم مثل هذه الوجبة كم ستدفع؟
دارت الايام دورتها وتقلبنا في ديار الغربة ما شاء الله لنا ان نتقلب , وعدنا (والعود احمد) , وذهبت الى ذلك المكان لا جد الموقف انتقل الى مكان اخر , والمطعم والمخبز ازيلا من الوجود وانتصبت مكانهما عمارة عجزت عن تعداد ادوارها . وجدت رجلا طاعنا في السن يجلس على حافة الرصيف . سالته عن المطعم والمخبز فتنهد , واخذ يردد اغنية الراحلة الحاجة ام كلثوم :
كان زمان ... كان زمان .. لسّه فاكر كان زمان
اكثر الله من المنخفضات الجوية في بلادنا , وجعلها بردا وسلاما ومواسم خير وبركة على ربوع وطننا الغالي . صباحكم سعيد وخال من نزلات البرد والرشح والأنفلونزا. طبتم وطابت اوقاتكم .
اهلا بك ايها الزائر الجميل , مرحبا بك على امتداد رقعة الوطن الحبيب , يا نبع الخير والعطاء والبركة . مرحبا بك ايها القادم حاملا الوعد بموسم زراعي وفير . وقعْتَ في قلوبنا موقع الغائب الغالي المنتظر . (على الطائر الميمون يا خير قادم) . ولكن ــ يا دام عز ابائكم واجدادكم ــ اعتدنا تضخيم الامور بغيرما سبب , ونجعل من الحبة قبة , ومن النملة فيلا . كيف ؟ اقول لكم :
تبدا اولا بعض وسائل اعلامنا المحترمة , وفضائياتنا التي هي اكثر من الهم على القلب الترويج للموضوع , وتغطية الحدث اكثر من تغطياتها لحروب الامة ومآسيها , تقطع بثها المعتاد , وتأخذ ببث النشرات الجوية المفصلة تفصيلا مبالغا فيه , لا يخلو عادة من التضخيم والتفخيم والتهويل والتشويق , ثم تقوم بالاتصال بمراسليها لنقل الحدث لحظة بلحظة , مع ملاحظة غياب هذه الوسائل عن كثير من الاحداث الجسام . تبدا بإسداء النصائح : ينصح بالاستعداد لهذا المنخفض بتخزين المواد الغذائية والمحروقات , ومن ثم ملازمة البيت وعدم الخروج الا للضرورة القصوى , ينصح بعدم ارسال الاطفال الى المدارس خوفا من نزلات البرد . و ينصح وينصح .....
طبعا يخاف المواطن ويحس ان الامر جد خطير, وانه سينقطع عن العالم مدة من الزمان , ولا بد ان يجهز نفسه لهذه الظروف الطارئة , وتبدا الطوابير على المخابز ومحلات الخضار والبقالات , ويسيل لعاب التجار فترتفع السلع وتصبح ضعف ثمنها , والمبرر شحّها في السوق بسبب الظروف الجوية . وتبدا الازدحامات المرورية التي تذكرنا بليالي الاعياد , والتي ربما تسبب بعض الحوادث المرورية لا قدر الله . كل ذلك بسبب تساقط بعض الثلوج التي لا يزيد ارتفاعها في افضل الظروف عن عشرين سم . بينما تنقل لنا وسائل الاعلام في الدول الاوروبية موجات من البرد والثلوج التي قد يصل ارتفاعها في اقل تقدير الى المتر وما سمعنا بتعطيل دراسة او ارتباك في حركة السبر, او ازدحام على المخابز والمتاجر . لماذا عندنا نعطي كل شيء اكبر من حجمه ؟ لست ادري . مع اننا اقل شعوب الارض حرصا على حياة وتجنبا لمسببات المرض .
والشيء بالشيء يذكر ,ففي عام 1972التحقت بالجامعة الاردنية , واذكر ان موقف باص الجامعة كان في شارع متفرع من سارع صلاح الدين , قرب المنطقة الاثرية المسيجة الان المعروفة ( سبيل الحوريات) , واذكر انه كان عند الموقف مطعم شعبي , ومخبز قديم على نظام بيوت الاقواس أي السقف الجملوني , او ما يسمى بالعقد , كان صاحب المطعم رجلا في الاربعين يحمل ابتسامة لا تفارق وجهه , وكان المطعم صغيرا يتسع لحوالي أربع او خمس طاولات مصفوفة على الجدار . واذكر اننا كنا في ايام برد عمّان القارص وصقيعها الذي يقص المسمار كما يقال في المثل , وثلوجها التي تعدت سنتها 50سم ؛ ندخل المطعم طلبا لدفء الاجسام والبطون قبل انطلاق الحافلة بنا الى الجامعة . يجلس احدنا على الطاولة , يحضر صاحب المطعم وبيده صحن متوسط الحجم يسمى السرفيس , يحتوي على شريحتين من الخيار ومثلهما من الفلفل والفجل والليمون , وراس بصل ابيض جميل , وضمة صغيرة من النعناع والبقدونس , ثم يسأل ماذا تحب . فتطلب اما صحن حمص او فول او مسبحة , وفي ثوان تجد امامك الصحن المطلوب , تعلوه طبقة وفيرة من زيت الزيتون الخالص الذي لا يعرف الغش , يضعه امامك ثم ينطلق ويحضر لك صحنا صغيرا فيه خمسة اقراص من الفلافل , وباليد الاخرى كوبا من الشاي (الجامبو ) . يضعها امامك وينطلق الى المخبز ليحضر لك رغيفا من الخبز المشروح , يحرص على ان يكون خارجا لتوه من بيت النار . فتتناول وجبة هنيئة مريئة دفيئة , وكنا ندفع ثمنا لهذه الوجبة اربعة قروش ونصف . تري لو اردت ان تتناول اليوم مثل هذه الوجبة كم ستدفع؟
دارت الايام دورتها وتقلبنا في ديار الغربة ما شاء الله لنا ان نتقلب , وعدنا (والعود احمد) , وذهبت الى ذلك المكان لا جد الموقف انتقل الى مكان اخر , والمطعم والمخبز ازيلا من الوجود وانتصبت مكانهما عمارة عجزت عن تعداد ادوارها . وجدت رجلا طاعنا في السن يجلس على حافة الرصيف . سالته عن المطعم والمخبز فتنهد , واخذ يردد اغنية الراحلة الحاجة ام كلثوم :
كان زمان ... كان زمان .. لسّه فاكر كان زمان
اكثر الله من المنخفضات الجوية في بلادنا , وجعلها بردا وسلاما ومواسم خير وبركة على ربوع وطننا الغالي . صباحكم سعيد وخال من نزلات البرد والرشح والأنفلونزا. طبتم وطابت اوقاتكم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق