السبت، 19 يناير 2019

( المهاجر ) ( وليد.ع.العايش )

( المهاجر )
_______
الرياح في الحديقة القريبة تتلاعب بالأغصان كيفما تشاء ، منذرة بعاصفة وشيكة ، الطيور هجعت إلى أعشاشها بحثاً عن مأوى يقيها سطوة البرد القادم ، اختلس نظرة إلى الزوجة المستكينة بجوار المدفأة ، ترتدي ثوبا شفافاً أسود اللون ، منحها مزيداً من الجمال الإلهي ، تمتم بكلمات لم تفهم معناها ، عاود رحلة الصمت الرهيب ، حبات المطر بدأت تطل برؤوسها من النافذة الخشبية المحطمة ، الرعد يزبد في سماء غضبى ، ينطلق البرق متجاوزا الأعراف الدبلوماسية ، يخترق كينونة الغرفة المتشحة بالحزن ، ستارة مهترئة تهتز تحت وطأة أزيز الريح الموجعة ، المياه السماوية تتسرب إلى الداخل ، تبعث صقيعا ساخنة ، حقيبة رمادية تقبع في زاوية ، تنتظر ولوج خيوط الفجر الأولى ، في الزاوية المقابلة طفل مركون لنوم حالم ، إنها ليلتك زوجتي ، قالها بخجل ، وضع رأسه المتعب على الوسادة المبتلة بحبيبات المطر ، يختلس النظر إليها عسى أن تلتقط أنفاسها ، وتصوب نيران أنوثتها تجاه الفراش الكئيب ، في كل مرة تتلاقى عيونهما ، كانت تشيح صوب تلك النافذة ، ربما تتأمل منظر المطر !!! ، تعالي إلى هنا حبيبتي ، قالها بشيء من الرهبة والرغبة ، صمت يتشابك مع دوي انفجارات مبهمة ، تمتمت بحشرجة مأساة ، اختصرت سحر إناث الكون في لحظة واحدة ، استسلم للمشيئة وادار بظهره إليها ، قرر أن ينال بعض الراحة ، بينما بدأت تذرف دموعاً لاتشبه الدموع ، الضوء يتسلل كلصوص الظلام ، قذف وجهه بحفنة ماء جليدية ، امتطت الحقيبة ظهره بأنين خافت ، رمى بضعة كلمات باتجاه الزوجة البائسة ، الثوب الأسود يعاتب بضراوة ، انحنى صوب الطفل الذي مازال في سباته المقهور ، لثمه وابتعد ، عيون تتابع واجفة ، أمتار كثيرة باتت تتشكل متشابكة مع آهات متحسرة ، احتضار الزمن الجميل ، التف حول نفسه ، ضربته الدموع كسياط جلاد من زمن الكفر الأول ، لحظات حبلى بأشياء قاتمة ، رمى بالحقيبة في مياه موحلة ، عناق حميمي أمام المنزل الطيني ، استيقظ الطفل مبتسماً ...
_________
( وليد.ع.العايش )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

متهم بلا شهود بقلم الشاعر عثمان كاظم لفته

  ســيدي القـــاضـــي جلبوني اليكَ بلا احلام اليوم وغداً والماضي وهاأنذا بين يديكَ بلا احلام…  اذاً أنتَ ســـتــُقاضــي شخصا إفتراضــي وأنا ...