الأحد، 21 يونيو 2020

قصيدة " يا ليلة العيد انستينا " حديث الجمعة بقلم علي الشافعي

واليكم نص القصيدة

قصيدة " يا ليلة العيد انستينا "

حديث الجمعة بقلم علي الشافعي

يا ليلة العيد انستينا

( يا ليلة العيد انستينا وجددت الامل فينا ) اغنية طالما صدحت بها الراحلة ام كلثوم عبر الاذاعات العربية ليلة العيد المباركة , بالتزامن مع التكبيرات المنطلقة من سماعات المساجد . العم سالم كان جالسا امام البيت على اريكة خشبية , تحته فرشة من الصوف متكئاً على وسادتين , يمتع سمعه بتلك التكبيرات ثم صوت الاغنية , سرح فكره قليلا وهو يسمعها , واغمض عينيه مع ابتسامة تردد صدي سني العمر , وهو يقف عند ليلة لا تنمحي من خاطره , ولا يتذكرها الا وترتسم الابتسامة على محياه , انها ليلة ذلك العيد طيبة الذكر :

كعادته كل عام منذ ان وعى واصبح غلاما يافعا , ينتظر سالم ليلة العيد بفارغ الصبر , يتجهز لها من بعد ظهيرة ذلك اليوم , يعد الساعات بالدقائق والثواني , يتوق شوقا لسماع تكبيرات العيد تنطلق من مكبرات الصوت في المساجد معلنة ان غدا صباحا هو اول ايام عيد الفطر السعيد , ثم يترنم على اغنية ( يا ليلة العيد انستينا ) عبر اثير الاذاعة , اخذ يتخيل كل خطوة سيخطوها مع والديه من مكان اقامتهم على اطراف البلدة الى سوقها الذي يعج بالمتسوقين في تلك الليلة المباركة .

عاد الوالد من عمله قبيل الغروب وسرعان ما تحلقت الاسرة حول مائدة الافطار , وكل واحد من الصغار يضع امامه ما كان خبأه في النهار , هذا حبيبات من اللوز او الجوز , وذاك قطعة من الحلوى , وثالث حبيبات من التمر . ضرب المدفع وانهمك الجميع في تناول ما قسم الله لهم , وما هي الا لحظات حتى اعلن قاضي القضاة ثبوت رؤية هلال شهر شوال المبارك , ترك الاطفال الطعام واخذوا يتقافزون ويتحلقون حول والدهم , يهنئونه بالعيد ويقبلون يده ويد والدتهم , وكل يملي طلباته الا صاحبنا , فهو الابن الاكبر والذي سيرافق والديه في رحلة التسوق المعتادة . اخذ الوالد يضمهم الى صدره كزغب القطا هاشا باشا وهو يقول : حاضر حاضر !! كل عام وانتم بخير , ثم نظر لام العيال : كل سنة وانت سالمة جاهزون ؟ ردت عليه بابتسامة تخفي خلفها سعادتها وابتهاجها : نعم , ثم عمدت الى مفتاح صغير معلق في جيدها , فتحت فيه احدى درف الخزانة فأخرجت منها صرة وضعتها بين طيات شالها , ثم القت بعض التعليمات على الصغار , وسرعان ما امتطى الاب صهوة جحش قبرصي كبير , ضخم الهامة اشهبها , عالي الظهر اصلبه , جميل المِعرفة انضرها , طويل الاذنين كطبقين من الاطباق اللاقطة هذه الايام , اردف الغلام خلفة وانطلقا وسارت الوالدة خلفهما بهمة ونشاط . العرف السائد تلك الايام :عيب ان تركب المرأة على الحمار ويراها الناس , ولا يُعرفُ ما ان كان ذلك تكريما لها ام خوفا من ركوب الحمار , في زمن كانت العروس تزف على الخيل .

كانت المسافة بين البيت و سوق البلدة حوالى ثلاث كيلو مترات , احسها صاحبنا ثلاثة اعوام حسوم , وما ان وصلوا السوق دخلوا متجرا معتادون على التعامل معه لكسوة افراد العائلة في كل عام , بالمقابل يصبر عليهم صاحبه ان تبقى له شيء . رحب التاجر بهم وسرعان ما فرد بضاعته امامهم واشار للام ان تختار للصغار ثم قال : لنبدأ اولا بالبطل اخرج قميصا من (الكاكي) الاخضر ثم بنطالا من (الكاكي )البيج , وهذا لباس اغلب طلبة المدارس في ذلك الوقت , فيكون لباسا للعيد ثم ينزل للساحة ( للمدرسة ) بعده , احضر بعد ذلك حذاءً اسود جميلا وقال : قس هذا , كاد الغلام ان يطير من الفرح وهو يضع رجله بداخله , ثم وضع التاجر فوقه زوجا من الجوارب وقال : وهذه هدية مني لقدمك الذهبية , تأبط الغلام الكسوة بسعادة غامرة متخيلا نفسه كيف سيبدو بها في العيد وعندما يقابل ابناء عمته في المدينة . اختارت الوالدة ملابس ومتطلبات باقي الاطفال , ثم قفلوا عائدين الى البيت . منظر لا ينسى كيف استقبلهم الاطفال , كل يريد حاجته قبل اخيه , تماما كفراخ العصافير عندما تأتي الام الى العش , وثم حمل كل منهم بضاعته الى رحله لتنام هانئة في احضانه .

جهز صاحبنا فراش نومه ووضع جديده فوق راسه اغمض عينيه سارحا في نهار العيد بألعابه وعيدياته مراجيحه , والمدينة وصخبها والعابها : غدا سأخرج مع ابي لصلاة العيد , بعدها نعود نتناول الافطار ثم نلبس الجديد , نعيّد على الاسرة ثم انطلق معه على ظهر ذلك الحمار لنصل المحطة قبيل انطلاق باص البلدة الوحيد الى المدينة , في العادة يتركان الحمار عند احد المعارف يمتطيانه مرة اخرى في رحلة العودة . منظر ممتع وهو يتخيل نفسه في المحطة بانتظار الصعود الى الباص , والجلوس في مقعد خلف السائق بجانب النافذة ؛ يستمتع بمنظر الحقول وهي تجري من حولهم فيتساءل : من الذي يسير الحقول ام الباص , وتخيل نفسه يقف ــ في المدينة ــ عند عربة الهريسة والنمورة تارة وعربة البراد والمثلجات اخري وتستوقفه وتستهويه زينة العيد على ابواب المتاجر , وكأنه سها قليلا أفاق منها على تكبيرات العيد .

في العادة يخرج الرجال لصلاة العيد وتجهز الامهات الافطار والقهوة وحلويات العيد , تتناول الاسرة طعام الافطار , ثم يلبسون الجديد , ويتحلق الاطفال ليأخذ كل عيديته وينطلق بسعادة الى المراجيح , بعد ذلك امتطى صاحبنا صهوة الحمار خلف والده وناولتهم الوالدة سلة من خيرات الريف الفلسطيني كهدية للعمة , وانطلقا وسط دعوات الام بالحفظ والرعاية والعودة السلامة .

في الطريق ــ يا سادة ــ حصل ما لم يكن في الحسبان , بدأ وجه سالم يتلون , عصرات شديدة اسفل البطن , واخذ يتلوّى . انتبه الوالد , نظر خلفه ثم اوقف الحمار: ما بك ؟ قال الوالد , بطني يؤلمني : قال الغلام , قال الوالد : الظاهر انك اخذت قليلا من البرد , عندما نصل عمتك ستعمل لك كوبا من الميرمية او الزعتر , ثم تابعا مسيرهما ولكن ؛ ملعونة تلك الالام التي لا تبارحني , لِمَ تفسد علي فرحة العيد والسفر : قال الغلام في نفسه . تلوّى مرة اخرى وتلون فطلب من الوالد الذهاب للخلاء , أُوقِف الحمارُ وانطلق صاحبنا كالريح في احد الحقول المحاذية للطريق , عاد منها مرتاح البال مشروح الخاطر , فاكملا المسير , لكن ( يا فرحة ما تمّت ) عاد الالم من جديد وبدأ الغلام يتعصر ويتلون مما اضطرهما ان يتوقفا مرة اخرى , قال الوالد : والامر هذا يا بطل لا نقدر ان نوقف الباص في الطريق , وعندما وصلا المحطة قال الغلام : لم ترسل الحمار الى بيت ابي حمدان كالعادة , قال الوالد : كلا , ستركبه يا بطل في طريق عودتك الى البيت , فلا اقدر ان اغامر واخذك معي , وسأنقل لعمتك واولادها تحياتك , في العيد القادم تغطّى جيدا . طاب يومكم .

للشاعر/ة/ علي محمود الشافعي

تحت إشراف

د. منى ضيا

رئيس مجلس الإدارة ‏ د. منى ضيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

متهم بلا شهود بقلم الشاعر عثمان كاظم لفته

  ســيدي القـــاضـــي جلبوني اليكَ بلا احلام اليوم وغداً والماضي وهاأنذا بين يديكَ بلا احلام…  اذاً أنتَ ســـتــُقاضــي شخصا إفتراضــي وأنا ...