الأربعاء، 17 يوليو 2019

أصل عبارة : (لسان العرب- مادة عود) / يحيى بن علي الضامري

أصل عبارة :
عدنا والعود أحمد
العَود أحمَد:
هو مثل يعني أن الرجوع أفضل، فـ "‏أحمَدُ‏"‏ وزن (أَفعَل) مِن الحمد، يعني أن هناك من ابتدأ بأمر ما فجَلب الحَمدَ إلى نَفسِه، فإذا عاد إلى فِعله كان أحمَدَ له، أي أكسَب للحَمدِ‏.‏
ولا يكون أحمد إلا بعد أن خُبِر الأمرُ قبلاً، فكان التالي على الغالب أفضل.
من أول من قال المثل؟
أول من قَال ذلك خِدَاش بن حابس التميمي، وكان خطب فتاة من بني سَدوس- يُقَال لها: الرَّباب، وهام بها زمانًا، ثم أقبل يخطِبها، وكان أبواها يتمنَّعان لجمالها وَمِيسَمِها، فردَّا خداشًا، فأضرب عنها زمانًا، ثم أقبل ذاتَ ليلةٍ راكبًا، فانتهى إلى محلّتهم، وهو يتغنى ويقول:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي يا رَبَابُ مَتَى أرى
لَنَا منك نُجْحًا أو شِفاء فأشْتَفِي
فقد طالما عَنَّيْتنِي وَ رَدَدْتِنِي
وأنت صَفِيَّي دون مَنْ كُنْتُ أَصْطَفِي
لحَى الله مَنْ تسمو إلى المال نَ
فْسُهُ
إذا كان ذا فَضْلٍ به ليس يَكْتَفِي
فَيُنْكِحُ ذا مالٍ دَميمًا مُلَوَّمًا
وَيَتْرُك حُرًَّا مثله ليس يَصْطَفِي
فعرفت الرباب منطقه، وجعلت تتسمَّع إليه، وحفظت الشعر، وأرسلت إلى الركْب الذين فيهم خِداش أن انزلوا بنا الليلة، فنزَلوا، وبعثت إلى خِداش أن قد عرَفت حاجتك فاغْدُ على أبي خاطبًا، ورجعت إلى أُمُها، فَقَالت: يا أُمَّه، هل أنكح إلا مَنْ أهوى و ألتحف إلا من أرضى؟
قَالت: لا، فما ذاك؟
قَالت: فأنكحيني خِداشًا!
قَالت: وما يدعوك إلى ذلك مع قلة ماله؟
قَالت: إذا جمع المالَ السيئُ الفَعَالِ فقبحًا للمال.
فأخبرت الأم أباها بذلك، فَقَال:
ألم نكن صَرَفْناه عنا، فما بدا له؟
فلما أصبحوا غدا عليهم خِداش فسلَّم، وقَال:
العَوْدُ أحمد، والمرء يرشد، والورد يحمد.
فأرسلها مَثَلاً.
(انظر- الميداني: مجمع الأمثال، العود أحمد- رقم 2543)
ويضيف الميداني:
"ويقَال إن أول من قَال ذلك، وأخذ الناسُ منه هو مالك بن نُوَيرة حين قَال:
جَزَيْنَا بني شَيْبَانَ أمسِ بقَرْضِهِمْ
وَعُدْنَا بمثل البَدْءِ والعَوْدُ أَحْمَدُ
ذكر المثل كثيرًا في شعر العرب، أذكر منه:
قال كُثَـيِّر عَزّة:
بدأتم فأحسنتم فأثنيت جاهدًا
فإن عدتمُ أثنيتُ والعَود أحمد
وهذا على غرار قول المرقِّش:
وأحسن سعدٌ في الذي كان بيننا
فإن عاد بالإحسان فالعود أحمد
ويتوارد المعنى لدى الشعراء، فيقول آخر:
وأَحْسَنَ فيما كان بَيْني وبَيْنَهُ
فإِنْ عاد بالإِحْسان فالعَوْدُ أحْمَدُ
وقال الأخطل:
فقلت لساقينا عليك فعُدْ بنا
إلى مثلـها بالأمسِ فالعود أحمد
وقال رؤبة:
وقد كفى من بَدئه ما قد بدا
وإن ثنَى فالعَود كان أحمدا
قال ابن الرومي:
مَا أسْتَقِلُّ قَلِيلاً أَنْتَ بَاذِلُهُ
ذِكْرَاكَ إِيَّايَ بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفُ
وَالْعَوْدُ أَحْمَدُ قَوْلٌ قَدْ جَرَى مَثَلاً
وَعُرْفُ مِثْلِكَ بِالْعَوْدَاتِ مَوْصُوفُ
فَأجْرِهِ لِيَ إِنَّ النَّفْسَ قَدْ أَلِفَتْ
آثَارَ كَفَّيْكَ وَالْمَعْرُوفُ مَأْلُوفُ
قال ابن المعتز:
خليليَّ قد طاب الشراب المبرّد
وقد عدت بعد النسك والعود أحمد
أختم بروعة الشعر في قول أبي نواس وهو يُعجب بجمال جارية:
تأمّلُ العينُ منها ... محاسنًا ليس تنفَدْ
فالحسن في كل جزء ... منها معًا يتردّد
فبعضُه في انتهاء ... وبعضه يتولّـد
وكلما عدت طرفًا ... يكون للعَود أحمدْ
ورد في اللغة كذلك:
رجع عَوده على بَدئه؛
"تريد أنه لم يقطع ذهابه حتى وصله برجوعه، إنما أردت أنه رجع في حافرته- أي نقض مجيئه برجوعه، وقد يكون أن يقطع مجيئه ثم يرجع فيقول: رجعت عودي على بدئي أي- رجعت كما جئت، فالمجيء موصول به الرجوع، فهو بدء والرجوع عود".
(لسان العرب- مادة عود)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

متهم بلا شهود بقلم الشاعر عثمان كاظم لفته

  ســيدي القـــاضـــي جلبوني اليكَ بلا احلام اليوم وغداً والماضي وهاأنذا بين يديكَ بلا احلام…  اذاً أنتَ ســـتــُقاضــي شخصا إفتراضــي وأنا ...