وقال البحر .. الشخصية...
كثيرة هي الكتابات التي تناولت موضوع الشخصية بالدراسة والتحليل، ومع ذلك فإن وجهات النظر لم تتفق حولها، وما زال الجدل قائماً حول اختلاف طبيعة الشخصية والحوار معها، ومن الأخطاء الشائعة مجتمعياً هي وصف أحد الأفراد مثلاً بأن له شخصية ووصف الآخر بأنه لا شخصية له، وفي الواقع فإن كل فرد من البشر لا بد أن تكون له شخصيته الخاصة به، ويمكن تعريف الشخصية على وجه التبسيط والإيجاز بأنها مجموعة الصفات التي يتميز بها فرد عن آخر ومن الأخطاء الأخرى التي يتداولها الناس هي الظن بأن الإنسان قادر على أن يصنع شخصيته كما يشاء حسب المبدأ القائل (من جد وجد) والواقع هو أن أي فرد لا اختيار له أو حتى إرادة في صنع شخصيته إلا ضمن نطاق محدود، فالشخصية هي نتاج تفاعل بين مجموعتين من العوامل أولاهما عوامل الوراثة التي يُولد الفرد بها، وثانيهما تلك التي يتلقاها الفرد منذ ولادته من محيطه الاجتماعي الذي ينشأ فيه، ومن المعروف بأن الإنسان يحمل في بدنه حين ولادته صفات ورثها من أبويه كشكل الوجه والبدن وكفاءة الأجهزة البدنية والتركيب العصبي والهرموني وقوة بأس العضلات وحتى المواهب والتي تُعد جملة العوامل التي يرثها الفرد من أبويه دون أن يكون له يد في صنعها كموهبة الذكاء الحسابي مثلاً والمتمثل في نمط القدرة على تعلم العلوم الطبيعية وحتى الرياضيات أيضاً، ومجمل هذه الصفات تدخل في بوتقة المحيط الاجتماعي الذي ينشأ فيه الفرد والتي تتكون من البيت الذي يتربى المرء فيه إضافة إلى الأقران الذين يتواصل معهم وكذلك شخصية الوالدين ودرجة مستواهما الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
إن فهم حقيقة البشر وكيفية تكون شخصية كل واحد منهم يتطلب التأمل ملياً في شكل وملامح كل فرد تتم مصادفته أو التواصل معه لأنه من النادر رؤية شخصين يتماثلان فعلاً في جميع مظاهرهما لأن لكل منهما شكل وجه مختلف وكذلك الذوق في نمط الملابس إضافة إلى طريقة المشي وإلقاء التحية والتعاطي مع الناس ويُعتبر كل هذا وغيره من العلامات دلالة مباشرة أو غير مباشرة على تكوين الشخصية وتأكيد كونها نتاج التفاعل بين عامل الوراثة وعوامل البيئة المحيطة كونه أن لكل بيئة اجتماعية معاييرها وقيمها الخاصة بها كما أن لها مجالاتها ومهنها التي يُتاح للإنسان فيها النجاح ونيل التقدير.
كثيراً ما تكون لبعض الأمراض النفسية جذور وراثية على نحو ما تم ذكره عن موضوع المواهب ففي حالة الجنون مثلاً تأتي الظروف المحيطة لتزيد من تأثيره الواضح في تكوين شخصية المرء بعد أن يكون الفرد مستعداً وراثياً للإصابة به مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هناك من يجد في الجنون ملاذاً يلوذ به تجاه مشقات الحياة ومنغصاتها وإخفاقاتها سعياً وراء نسج خيال يخلق له نمط الحالة والمكانة التي يرغبها داخل عالم الجنون، وخلاصة القول هي أن شخصية الإنسان ليس في مقدور صاحبها صُنعها كما يشاء حسبما ورد في أطراف بعض الأحاديث المتداولة بين الناس لأن تلك الأقاويل والأحاديث قد تنفع ربما في مجال توجيه الشباب الناشئ على بذل قصارى الجهد ضمن حد محدود ولكنها لا تنفع في فهم لُب الشخصية البشرية كما هي على بساط الواقع فالشخص الذي يطمح للنجاح في مجال ما وهو لا يملك الموهبة المناسبة له فلا بد أن يكون مصيره الفشل الذريع والشواهد على ذلك كثيرة لأشخاص رغبوا بأن يكونوا أدباء مشهورين أو حتى علماء فطاحل دون أن تكون لديهم المواهب الملائمة وقضوا سنيّ حياتهم بالدأب المتواصل الذي لا جدوى فيه ولا طائل منه وفي ختام الأمر عجزوا كلياً عن نيل درجات العلا التي كانوا يطمحون إليها.
د. بشار عيسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق