واليكم نص القصيدة
قصيدة " ** وردة الحبّ ** "
Ali Rjeb
020
( قصّة حبّ من طرف واحد)
** وردة الحبّ **
بقلمي د. علي بن محمد الهادي رجب / بني خيار - تونس
***********
كان شابّا يافعا ماوسط القامة مكتمل البنية دون افراط. لم يمض عليه حين من الدهر أن تخطّى عتبة الستّ عضرة سنة مستبشرا بتخلّصه من مرحلة الطفولة البريئة ومتفاخرا بحالة المراهقة التي جعلته يحسّ بنخوة الرجولة والفتوّة والكمال. وبالمقابل لم يرزق أختا أنثى تساعده على فهم اسلوب التعامل والتعايش مع الجنس الآخر خاصة وقد نشأ في بيئة مدرسية ذكورية تمنع الاختلاط فنشأت في ذهنه عقلية الرّهبة من الأنثى والحذر من اقترابها وذلك تفاعلا من الموروث الاجتماعي التقليدي الذي كان يحرّم الى حدّ التجريم أيّ نوع من العلاقة الاختلاطية...وصدفة وعلى حين غفلة من نفسه وبينما كان يتفسّح أو قل يتسكّع في أنهج القرية وازقّتها حيث لم تكن توجد من مرافق الترفيه أيّ مجال يمكن أن يرتاده..ألقته الصدفة مع صبيّة اخترقت مثله مرحلة الطفولة وبدت عليها ملامح الفتنة الأنثوية ناطقة من صدرها ولئن حاولت سترها في ميدعتها المدرسية السماوية اللون والصفاء.. كانت مندمجة ضمن مجموعة من ازميلاتها في الدراسة ينتظرن في المحظة حافلة النقل المدرسي لتقلّهن الى المعهد الثانوي في المدينة المجاورة .. وبقدرة عجيبة انبرت صورتها بين عينيه من دون البقية وتسمّرت عيناه فيها من ركن خفيّ من الشارع وهو يراقب تحرّكاتها ويحادث نفسه سرّا: ماذا لو تقدّمت منها وكلّمتها؟ وسرعان ما نهر نفسه عن التهوّر.. احذر.. ما يكون موقفك لو بهذلتك؟ ماذا لو نهرتك ؟ ما هو موقفك لو أخجلتها أمام رفيقاتها ؟.. وأخيرا قرّر أن يكتفي بالتملّي من منظرها اللطيف.. فكانت إذا ابتسمت ظنّها تبتسم له.. وقرّر أن يتبعدها من بعيد ليعرف حيّها.. ومسكنها.. وعائلتها.. وأخيرا عرف أنها وحيدة والديها.. حاول أن يتقرّب من والدها الذي كان يعمل في التجارة.. توصّل الى الاقتراب والتقرّب منه لكنّه اكتشف فيه حزما وصرامة زادت منرهبته من الموقف.. ويوما فيوما أوجد لنفسه محيطا خياليا ورديا فبعد أن ضبط بدقّة مواعيدها المدرسية صار يتحيّن الفرص لمحاولة اعتراضها قادمة أو عائدة وهو يمنّي النفس بالنظر اليها أو ربّما التقاط ابتسامة خفيفة في غفلة من المارّة ولكن هذه الفرص كانت شحيحة فعمد الى ضيط موعد يوميّ خلال العطلة للتمشي في الطريق المحاذي لمنزلها وكان يحاول أن يخاتل المارّة بمواصلة مسيره بين الحقول لابعاد الشبهة عنه....وصادف أن كاشف أحد من كان يعتبره صديق نصوحا وكان يرى فية الجرأة والاقدام فطمأنه صاحبه بأنّه سيتّصل بها ليستجلي حقيقة عواطفها وما كان يتوقع أن يجول بخاطر صاحبه الذي ماطله مرّات ثم جاءه مرّة مستبشرا وبيده وردة قانية الحمرة رقيقة البتلات وألقاها عليه في ابتسامة خبيثة موهما إيّاه أنها تقبّلت مودّته وبعثت له بالوردة عربون صدق ووفاء.. قبل صاحبنا الوردة وجعل لها وعاء خاصّا وأكمل ليلته يناجيها ويبثّها لواعج نفسه وسرعان ما نهض وأخذ القلم يخطّ اقصوصة حبّه وسمّاها " وردة الحبّ" وما كان منه إلاّ أن سارع بنشرها في المجلة المدرسية التي كان يصدرها معهده الثانوي بالعاصمة.. وعند العودة الى القرية في العطلة كان يمنّي النفس بلقائها واحدائها نسخة المجلة التي ضمّنها " وردة حبّه" وبينما كا ن يهيّئ نفسه للقاء المرتقب سقط على رأسه خبر صاعق حطّم كل آماله: لقد علم بأن أحد أقاربه تقدّم لخطبتها وأنّ أهلها قبلوا به مرحّبين .. عاد صاحبنا الى البيت منتكسا مخذولا وأغلق علة نفسه باب غرفته وفتح جهاز المذياع الوسيلة الوحيدة للتسلية في ذلك الزمان فإذا به يرتطم بصوت معبودته الفنية " كروانة الشرق الستّ " وهي تردّد مع آهاته وحسراته
أيها الساهر تغفو .. تذكر العهد وتصحو
وإذا ما التأم جرح .. جدّ بالتذكار جرحُ
فتعلّم كيف تنسى .. وتعلّم كيف تمحو
يا حبيبي كل شئٍ بقضاء .. ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا .. ذات يوم بعد ما عز اللقاء
فإذا أنكر خل خله .. وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلى غايته .. لا تقل شئنا فإن الحظَّ شاء
... ومع آخر انفعالات الأغنية الرهيبة أمسك بفي السيجارة في يده وضغظ عليه بشدّة وأطفأ خمرته على ظهر يده اليسرى متحسّرا على غبائه وجبنه وآلى على نفسه منذ تلك اللحظة أن تصنع منه هذه الجادثة شخصا آخر قوامه الجرأة والشجاعة والاندفاع المتعقّل حتى يواجه الأحداث بقوّة شخصي ة واقتدار..
تمت الحدّوثة...د. علي بن محمد الهادي رجب / بني خيار - تونس
للشاعر/ة/ Ali Rjeb
تحت إشراف
د. منى ضيا
رئيس مجلس الإدارة د. منى ضيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق