الف مبروك الشاعر / ة عبد المجيد الجاسم
عن نص " يتيمان .... "
قصه : يتيمان ....
الحرارة تزهق النفوس وشمس الأصيل ترسل بأشعتها البنفسجية لتكوي ما تبقى نباتات فصل الربيع ..؟ والفضاء الرحب المترامي الأطراف لا يقطعه سوى السراب المتذبذب كأمواج البحر ...؟ وفتائل الرياح تمتد من سطح الأرض وحتى أعالي السماء حاملة الأتربة ونفايات الأوراق وأكياس النايلون انه مشهد صحراوي يحوي بالكآبة الطفلة مريم قابعة أمام بيتها تنتظر والدها بفارغ الصبر بعد أن فقدت أمها العام الماضي اثر مرض الم بها مريم صغيرة الحجم عمرها لايتجاوز السبعة أعوام لونها شاحب وشعرها اكث قد اتسخ من العرق وذرات التراب العالقة فيه ملامحها دقيقة تحكي قصص البؤساء والمظلومين مقلتاها مملوءة بالدموع التي أضناها النحيب قوامها نحيل أشبه بفقراء أفريقيا المنكوبين وبجانبها أخيها الوحيد أنه الربيع الثالث؟ ومنظره يوحي باليتامى والمتسولين ....لقد حان موعد قدوم والدها من العمل ..
لكنه لم يأتي وطال انتظار الطفلة مريم؟ انتابها حالة من الخوف والقلق الطفولي والحنان الأبوي التي تنتظره بل ما يحمله أيضا والدها عند عودته من سكاكر لها ولأخيها الصغير....؟
افلت الشمس للغروب والمشهد أصبح أكثر وضوحا والدموع بدأت تنهمر على خديها...؟ وحفرت على وجنتيها المغبرة أخاديد أشبه بأخاديد عاصفة مطريه على ربوة صحراويه. وأخيها يلعب أحيانا ويبكي أحيانا أخرى ثم يجلس القرفصاء بجانب أخته .
الوالد يعمل في معمل قرميد على مسافة بعيدة عن القرية ويغادر البيت صباحا بعد ان يجلب لأولاده ما يؤمن غذاءهم لليوم التالي ...... ويوصي ابنته بأخيها .. ويحضر الطعام .... وكل ما يحتاجه الصغيران وفي ذالك اليوم غادر المنزل صباحا كالمعتاد وطبع قبلة على وجنتيه الصغيران وهما نائمان ووضع بجانب فراشهما الرث صحن من اللبن ورغيف الخبز .... هذا كل ما يحتاجه .... ومع بزوغ قرص الشمس وفي الطريق الصحراوية الملتوية كالأفعى كان الوالد يحدث نفسه بأفكار شتى ... فقد كان قصيرا عريض المنكبين ومقطب الحاجبين ساعداه مفتولان وبشرته أحرقته حرارة الصيف فحولتها إلى البرونز اللامع يعتلي حمارا أضناه الجوع وارق السنين . لونه المغبر وأذناه المتهدلاتان كأنه خارج من معركة من معارك الأقدمين .؟
انبرت الشمس تزحلق باشعتها الذهبية لتصافح قمم التلال وسفوح الروابي وتطبع القبلة النهائية قبلة الوداع على وجنتي الوالد الحنون .... تزاحمت الأفكار في ذهن الوالد . فمرة يفكر بطفليه ومصيرهما المحتوم ومرة بالعمل والعمال وبالعلاوات الانتاجيه ...ويطوف في ذهنه خيال زوجته وهي توصيه بالطفلان وهي على فراش الموت .؟ حيث كانت تقول له أمانتك الطفلان لاتتركهما للزمن فأنت لا احد من أقاربك في القرية وأنا كذلك ....والزمن غدار لا زالت تلك الكلمات يتذكرها بين فترة وأخرى فتغرورق عيناه بالدموع فيحبسها ؟ لكنها ما تلبث ان تذرف كأنها المطر .....؟ وهكذا بين مد وجزر وبين أفكار تاتي وأفكار تروح ...وجد نفسه في غمرة العمل ... لكنه أحس أثناء العمل بان وعكة في صدره ويداه بدأت تنمل عليه وعرق غزير يتصبب من جسده ...والشمس افلت للغروب والنهار غادر سريعا وتوقف العمل وشعر ان قواه انهارت ولا يقوى على النطق ....وسقط على الأرض حاول الوقوف لكن دون جدوى حاول يستغيث لكن لايقوى على الصرخ ؟ وشهق شهقة جحظت عيناه معها وغط بنوم ابدي....
رحلت الشمس تودع المساكين والحيارى واليتامى والطفلين لا زالا ينتظرا )(المصاصة) التي اعتاد والدهما يجلبها معه من الحانوت بجانب المعمل فكان يؤمن المصاصات منذ الصباح ويضعها في جيبه حتى نهاية الدوام ليعطيها لطفليه الصغيرين ....تفقد العمال محمد والد الطفلين ووجدوه طريح الأرض قد لفظ أنفاسه الاخيره ؟؟....حملوه على حماره الشقي ورافقه اثنان من زملائه في المعمل عائدين به الى بيته بعد غروب الشمس
الطفلان عيناهما تراقب الأفق البعيد ...؟ نظره ملؤها الخوف والقلق لقد وقفا وطال وقوفهما إنما انتظار يحمل الراحة والأمان ...يحمل الحلوى والمصاصات ...مريم لا زالت تذكر كيف تعتلي ظهر والدها هي وأخيها يوم أمس والضحكات تملا الغرفة ...وكيف كان أخيها يسحب أبيه من شاربه وأبيها الضحكة تملئ شدقيه...
قررت في هذا اليوم بعد أن شعرت انه تأخر عن موعد قدومه قبل غروب الشمس أن تستقبله بمجرد أن تراه؟ ؟؟لكنها لم تر شيئا الطريق الترابية طويلة وملتوية......ثم دققت النظر جيدا فشاهدت أشباح تتقدم بينهما قد يكون حمار والدها اقتربت الأشباح شيئا فشيئا ؟...فجرت أخيها من يده وانطلقت تستقبل والدها وسط طريق يلفه الظلام رويدا رويدا ...وكانت مع أخيها أشبه بسلحفاة أضناها التعب بحثا عن الماء. اقترب موكب والدها وأصبحت مريم الصغيرة قاب قوسين أو أدنى فينحني احد المشيعين ليحمل الطفله مريم والآخر يحمل محمود ...وهما لا ينبسان ببنت شفه .... سألت مريم أين أبي وصاح محمود بابا...بابا ..با...با وكان يشير بيده الصغيرة نحو ابيه المطوي فوق الحمار الحزين والرجلان لا يتكلمان إنما انهارت الدموع بأعينهم بل احدهم اخذ يشهق نحيبا ...فما كان من الآخر إلا أن يبكي بكاء حارا ...والطفلين في حيرة من المشهد لكن مريم ابصرت رأس والدها يتدلى من فوق الحمار فصرخت تبكي وتشهق لقد ادركت أن والدها قد فارق الحياة وصورة أمها ما زالت أمام ناظريها ؟ وكيف فارقتها فراق أبديا
ادخلو محمود البيت ووضعوه على بساط قد صنعته زوجته المرحومة ووضعوا تحت رأسه وسادة ....فجلس المشيعان والى جانبهما الطفلان بعد أن أشعلا فانوس أضاء أرجاء الغرفة الصغيرة فتقدم محمود الطفل الصغير نحو أبيه يفتش في جيوبه وجد المصاصات فحملها بيده ودفع بواحدة نحو أخته مريم التي رفضت وهو يلح عليها ......لم يدرك أن والده قد غط في نومه أبديه
وقال احدهم : انا لله وانا اليه راجعون........................ انتهت.......
//بقلم عبد المجيد الجاسم// ابو حيدر//
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق