الأربعاء، 2 مارس 2022

الجبابرة بقلم هيفاء البريجاوي

 


(قصة قصيرة)

*********

رائحة الموت الجاثمة على صدرها لم تفقدها معالم أنوثتها،وهي تصارع توابيت الفقد والغرق ،لرحلة الصيف والشتاء المديدة وهي تصارع جوع الإنسانية التي فقدت هويتها بين هراء وغبار وضباب.

 أيقنت أن الموت ليس آخر المطاف ،تفننت لغة الصبر،و أن الحياة الباقية تلك الروح التي تبقى مخلدة لقلوب من أثلجت صدروهم أرقى القيم ،لرحلة فصول صيف حراء وشتاء قارس البرودة غيمات الهجر  عاندتها ،أثقلت صدرها تعب وإرهاق قلوب جثمت بين محطات ساخرة،وهي تعاود من ذاكرة حاضرة سنينها العنيدة ،أيقظتها لبرهة ،بداياتها بين مقاعد الصمود لم توفقها عجلات الزمن المتسارعة عن تحقيق حلمها  الصخري بقدرة تحدي استمدتها من ثقتها بالله وذاتها ،وقلبها الصغير تصفقه تيارات الألم والفقد ،حولت منه لأحلامها مدينة متكاملة  من الحب ، أن تزرع بدروبها بين صخور قاسية تلك البراعم المزهرة لتنتشي مع كل إشراقة ضحى أمل جديد بلون أجمل للحيا ة،

من تلك البقعة الجميلة أحييت منها حياة روحها ،وألوان الذاكية بالاخلاص والنبل والتعالي عن مفاهيم بالية ،ابنة العاشرة من العمر كان أكبر أحلامها أرجوحتها ولعبتها التي ترافقها ونجماتها التي تكتب على أوراقهم ذكرياتها الحزينة بقلب يصارع الموت بهينة بين شرايين الوقت المتآكلة وصدى صوت الطبيب وهو يخبر أباها سنينها معدودة تحتاج لنقل قلب ،وأمام قدراته المتواضعة ومسؤولياته الجمة ضاعت سنون متسارعة لم تثنها عن تحقيق حلمها لتمصل دماء قلبها الصبر والمواصلة ،لتحول الحلم الى حقيقة ،لتكون بموقع مسؤولية أمام رسالتها الباقية تتابع مهامها وتقف أمام قضاة محاكم الأرض لتدافع عن كل مظلوم أودت به ظروف الحياة بدل ان يكون المجني  عليه أصبح الجاني .

 ليسد رمق أولاده أعيته الحاجة والعوز ،،لقلوب قست وعقول تبلدت أمام حب الدنيا والمظاهر البالية ،وتلك الأم التي بدل  من ان تكافىء من عالمها الخاص تكرم بالاهانة والسخرية لقلوب أصمت عن شرايينها الرحمة والتواد لتتهالك سنينها متعفنة لخميرة فاسدة  رائحة الموت كانت أقرب اليها من حياة أفرغت القيم ومعاني الرجولة لتكون صريعة أنيابهم الوحشية 

اي حكم لها أن تسن تلك القوانين لتنصفها من مجتمع ساخر ،وأمام ذلك الطفل الذي حكمت عليه قوانين البشر التسنن بأن يكون بين قضبان محاكمة زاجرة اقصى أحلامه أن يؤمن فاتورة الدواء لأمه المريضة .

لعب دور الاب الذي تخلى عن مسؤولياته لأهوائه الخاصة ،وكثر بدل ان نكافئهم نجدهم يدفعون فواتير باهظة الثمن لتمسكهم باسمى معاني الخلق والقيم ،

كان اعياء قلبها ليس دماء غادرت شرايين جسدها المتهالك ،أمام صفعات كهربائية تزيد من مواقيت الحياة بجسدها لأوجاع وفجوات طال قلوب البشر .

لم تفضل ان تختار مهنة طبيبة لتعالج وتلقى الدواء الذي يطببها ،بل اختارت مهنة توقظ معنى الحياة من قلوب بشر فقدت انسانيتها 

لتقف امام قاضي العدل والرحمة تدون من مرافعاتها  دساتير باقية لقوانين مستجدة ،الكل محاسب عليها 

لتنبت من بين الركام والرماد براعم فقدت جمالياتها لاجل البقاء ،والمحاسبة أمام محكمة لا تغلق أبوابها 

من برهة لبرهة تستجمع قوتها لتتوضأ ساجدة على سجادة مدينتها التي شيدتها ،وانفاسها تتصاعد الى السماء بروح لن تفارق كل من دونت له بصمة تعيده ان يكتب على سطور البقاء الخلود لأرواح تعاظمت بهم حب الحياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق