الجمعة، 30 أغسطس 2019

منعطف الأربعين ... بقلم الكتاب/د. بشار عيسى



منعطف الأربعين ...

شغلت الحضارة و متطلباتها و زخرف الحياة و تسارعها و الرفاهية و مستلزماتها تفكير معظم البشر في كيفية تحسين مستوى معيشتهم و مضاعفة المكاسب المادية لتأمين كل وسائل الراحة و العيش الكريم لهم ، و بالرغم من كون سن الأربعين هو زهرة عمر الإنسان و مرحلة بلوغ القمة فعلاً و الرقم السحري في حياة كل الخليقة إلا أنه أول مواجهة جادة و حقيقية تكون للناس مع أزمة بداية الأربعين ، فهي بالنسبة للبعض مناسبة للتجديد و تفجير الطاقات الكامنة و تمثل للبعض الآخر إفلاسهم في الحياة مما يؤدي إلى الإندفاع نحو درب الإكتئاب و المزاج السوداوي .

في المرحلة الأربعينية تتفاوت النظرة إلى المستقبل و المصير و أسرار الحياة و ذلك بفعل الإختلاف في تصورات الوجود ، و يخشى المرء من تراجع أدائه على جميع الصعد و يسأل نفسه هل أحرز نجاحاً مميزاً على الصعيد المهني و العائلي و حتى على صعيد تحقيق الذات ، فمعظم الأشخاص يعرفون بحق مدى مواهبهم و قدراتهم الذاتية و لكن مقياس ذلك النجاح و الفشل لا يتعلق بمجال العمل وحده بل يشمل جوانب حياة الشخص كلها فتأتي المحصلة العامة لجردة الحساب إما سلبية محبطة أو إيجابية مشجعة ، و قد يتولد في هذه المرحلة الإحساس بالخيبة جراء المرور الزمني لسنوات العمر و رتابة الحياة اليومية و خاصة مع الشعور بإقتراب مرحلة الشيخوخة مما يؤدي إلى الإكتئاب و لكنه يثير عند البعض رغبة عارمة في الخلق و الإبداع كنوع من التعويض ليمنحوا حياتهم معنى مميزاً و طابعاً مختلفاً .

تطرأ في مرحلة الأربعينات من العمر تغيرات هامة و انقلابات كبيرة في حياة المرء كالتغير في أسلوب و نمط العيش و الطلاق و الزواج الجديد و ازدياد القدرات الإنتاجية و الإبداعية و الإرتقاء في السلم الإجتماعي ، و يصبح الفرد محباً بطريقة أحلى و صامداً بشكل أقوى و ضاحكاً بصوت أعلى ، و هذه التغيرات هي من بين الأمور الأكثر بروزاً في عموم مجرى الحياة الشخصية علماً أن هناك أموراً أخرى أكثر دقة و خفاء و لكنها لا تقل عنها أهمية .

يتمنى ابن الأربعين لو يستطيع التغيير على صعيد علاقته بذاته و بالعام الخارجي أيضاً و تبدو أزمة الأربعين بمثابة الفرصة الأخيرة لحل التناقضات داخل الذات و لهذا يتوجب على المرء مواجهة هذه المرحلة بما يلي :

- تجاوز النماذج المثالية لمفهومي الشباب و الشيخوخة .

- التوفيق و التوازن بين نزعة العدائية حيال الآخرين و بين الميل إلى الذوبان التام و الإنصهار الكامل فيهم .

- توفير وقت كافي للحرية و الراحة الشخصية رغم ضغوط برامج العمل اليومية .

- تجاوز الصراع القائم بين الرغبة الدائمة في الإنتاج و بين الميل إلى الراحة .

- التحول عن مبدأ المنافسة و التناحر في سبيل السيطرة على العالم الخارجي و إعطاء الأولوية للحياة الخاصة و الداخلية و اعتماد مبدأ التوازن في الحياة .

يختلف التعامل مع مرحلة الأربعين من شخص إلى آخر فالبعض يُظهرون ثباتاً و رصانة خلال هذه المرحلة فلا تظهر آثارها في مراحل لاحقة و قد لا تظهر أبداً ، و أما بالنسبة للبعض الآخر فتمثل مرحلة الأربعين إنعطافاً هادئاً و هاماً فيمثل هذا الفصل من حياتهم مرحلة كفاح و شقاء و صراعات محتدمة و يتسلل اليأس و الإحباط إلى النفس من خلال كآبة الحاضر و الحنين إلى الماضي ، و تشكل مراجعة الذات عنصراً أكثر صحة و إيجابية في عمق صميم شخصية المرء و يعتبر السعي إلى تغيير نمط الحياة و رسم المستقبل أمراً مشروعاً .

و أما بالنسبة للمرأة في سن الأربعين فإنها تُعيد إكتشاف بعض الجوانب المنسية و المكبوتة في شخصيتها و تراه الوقت المناسب لتكون أكثر صراحة و انفتاحاً على الناس ، و تكون قادرة على اتخاذ قرارات أفضل لصحتها مع التقدم في العمر مثل اتباع نظام غذائي صحي ، و قد تستأنف جزء من نشاطها العملي و الوظيفي و الإجتماعي فيزداد وقتها إحتكاكها بالعالم الخارجي المحيط بها .

الشاعر /ة / ‏د. بشار عيسى‏ (‏بشار علي عيسى‏)

تحت إشراف رئيس مجلس الإدارة السفيرة ‏د. منى ضيا‏ (‏منى داوود ضيا‏)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق