الجمعة، 19 يوليو 2019

مع دالة الاسم والفعل انبعاث بعد تصادم في قصيدة ( الفارس المفتون ) انموذجا للشاعر يوسف الحملة بقلم : سيدمحمد الياسري

مع دالة الاسم والفعل انبعاث بعد تصادم "
مع دالة الاسم والفعل انبعاث بعد تصادم في قصيدة ( الفارس المفتون ) انموذجا للشاعر يوسف الحملة
بقلم : سيدمحمد الياسري
قد حدد اللغويون والنحويون دالة بين الجملة الاسمية والفعلية ، وهذه الدالة حددت مسار متعلقات المعنى ، الدالة الاسمية – في وصفها – هي الثابتة ، والدالة الفعلية هي المتغيرة ، وفي دائرتي الدالتين يظهر معنى اخر تشبه المجموعات الرياضية ، في انها محكمة بقانون الثبوت والتغير والتصادم والانبعاث ، ومن هنا نجد ان اللغة على حصر كلماتها فانها لاتنحصر وكانها ارض خصبة لاتنفك ان تعطي خضارا كلما حصد او اينع ، والا ماتفسير بلد المليون شاعر في عصر كما هو العراق ، وكل شاعر يأخذ من اللغة ذاتها ويعطي معاني مختلفة، فكيف اذا حسبنا الوطن العربي ؟ فلماذا لاتضيق اللغة العربية بالكم الهائل من الشعراء الذين تعدوا الملايين ان كانوا باطار شعبي او فصيح ؟ حتى قيل في بعض المدن لاتخلو أي مقهى من شاعرين يتباريان ؟ كل هذا ونجد انه لاتوجد أي تطابق وان تقاربا في الفكرة والمفهوم في قصدتين ، مع هذا الكم من الشعراء والكم الهائل من القصائد تختلف جميعا مع انها من لغة واحدة وكلمات محدودات الف كلمة او تتعداه بقليل ، هذا ماجعل رد الشاعر أبو مهدي صالح عمليا على سؤال احدهم لماذا قصائدك لاتشبه احد هل تريد ان يقولوا عنك خالف تعرف ؟ فقال كل القصائد بالعربية لاتتشابه بل تتقارب كالانسان كلهم من ادم ولم يطابق احدهم ادم . ثم فتح يديه وقال للسائل كم اصبع عندي فقال له : عشرة فقال ابومهدي كم اصبع عند الناس ؟ فقال : مثلك عشرة . فقال هل تستطيع في كل العالم ان تأتي اصبع واحد مشابه لواحد من العشرة !؟ هكذا اللغة العربية وهكذا قصائد جميع الشعراء .
من سمات الدالة الفعلية انها ذات دوران زمني غير قابل للثبوت او يقترب من عدم الثبوت ، وهذه الدالة هي التي عناها الشاعر يوسف الحملة في قصيدته (الفارس المفتون) ، وهذا الدوران جاء في مكان ثابت ومنها انطلق الانبعاث بعد التصادم ، لان القافية ثابتة وذات معيار دقيق لايمكن ان يشوبها تغير كما ان الضروب لايمكن تغيره فكان ثابتان مقابل متغير ، وكأن الاثفيتين ان تعينهما ثالثة متحركة فهل تصمت القصيدة او ينقلب مضمونها ؟
لقد اختار الشاعر الجملة الفعلية ضروبا لبحرة الكامل ، واراد ان يكمل فيه ثبوت الضرب مع ثبوت القافية مشوارا متحركا ومتغيرا لزمن آخر لفارسه المفتون ، ولعل البيت الأول قد دق التغير بعروضه وضروبه من حيث المعنى في التغير فكانت المقابلة الحركية بين ( تجملت – وتمنعت ) متغيرة فالتجميل للاهتمام والتمنع للاهمال هنا بدأ التصادم في اول وهلة لتعطي دلالات حسية وفكرية وخيالية انبثقت من ذلك التغير فربما تمنعها دلالا ، لانها تجملت وربما تمنعها اهمالا لانها تتغير ولاسيما كان التجميل ماضيا ولم يكن له قرينة في البيت يدل على وجود مستقبل يضارعه فلو كانت تمنعُ لدل الامتناع عن غنج ودلع في نفس المتجملة ... في ان المتغيرات لاتشير الى ثبوت الصفات كانت نهاية الفارس واضحة وأصاب الغموض على نهايتها مع عثرات التكبر وتجليها .
أربعة ابيات محضة الثبوت ، في بدايتها لهذا نرى البيت ( محبوبتي ) اقحم معناه من اجل ايقاعه ، في ( ان بالعذاب تمكنت ) فالمعنى بات اكثر ضبابية لان المتغير اعتاد ان يكون واحدا مقابل اثنين ، أي ان الاثفية بدأت تحاول ان تقلب الوعاء وتكب المضمون بعيدا عنها لولا نباهة الشاعر وتفكيرة في هذا البيت ووقوفه عليه وربما وقع في تعديلات هكذا إشارات البيت تقول ، فاخرجه الشاعر بصورة تليق بالقصيدة وبوضع المتغيرين امام متغيرين ، لهذا نراه نجح ايقاعا ومعنى بسلاسة في الدالة الاسمية الثانية في البيت ( قلبي عليها ...) بعد ان عاد الى أربعة ابيات حاول ان يلقط أنفاسه بعيدا عن ذلك التصادم الهائل الذي يهز البحر ويخرج منه درره ، ولو تتابعنا القافية ( تعظمت ، تنكرت ، تمخضت ، تغيرت ) لرأينا ان الشاعر كان منتظرا دخول التلوين النفسي وذلك الانطباع بعد هذه التحولات وعدم الثبوت من قبل محبوبته ، في حين يقع باب العصمة بيده ويرجعها على ان المحيط خارجا بالاحاطة ، نرى عمقه ثابت بتلوين لهذا فقد نجح الشاعر باختيار القافية ( تلونت ) ايقاعا ومعنى ، وقد ترتب ثبوت الجملة دلالة على الأصل انها خصت بالتمنع والتكبر والتلون والتمثيل لذا كان الشاعر موفقا جدا بهذا البيت بعد سلسلة من وصف المتغيرات دالة زمنية ومتحولة الى دالة عميقة وثابتة تدل على اصل الشيء من دون ان يصاب الشاعر بارهاق او يضع اثفية ثالثة لركود القدر وجعل المادة في اناءها بالشكل الصحيح .
الشاعر يوسف الحملة ، يجد منطلقا جديدا من حيث يرى ان باب اللغة لايغلق لشاعر او اديب ، بل انها تولد جديدا ببنان جديدة مختلفة ، واعتقد ان من وصف القصيدة جنينا، قد نجح في وصف المخاض حين انتج طفلا يبكي من الحياة الجديدة وببكاءه يفرح المستمعون لانه دلالة الحياة ، لعل بعض النقاد والدارسين يعدون ان قافية الفعل اسهل بكثير من قافية الاسم ، الا ان مخاض القصيدة اراه أطول واكثر وجعا ، وربما ينتهي المخاض بخنق الجنين فيولد ميتا ، ومن هنا كان ادراك الشاعر ان الاختلاف سهل وصعب في الوقت ذاته ، لكن كان يعرف ان اللغة العربية تولد طفله من دون ان تجد تطابقا مع طفلا اخر ولايشبه الااباه ، هكذا مخاض يوسف الحملة ، على كثرة الشعراء الذين تناولوا الفكرة والفعل والبحر والاسم نراه يضع الدالة في مخاضها الأول وبلا شبيه .
لعل فتنة الشاعر انه هو ذاته الفارس ، ولعل محبوبته ذاتها ، الا ان مخاض دالة المتغير تضعه في محك الطريق للجميع فالقاريء كأنما يتحدث عن نفسه ، وذاتها القصيدة مستقلة ، فالمسافة او الفجوة الشعرية التي رتبها الإيقاع هي ممتزجة مع المعنى وايحاءات البحر مع رتابته ، خرجت لون الصراع والانبعاث المنشق من بين دالتين : الفعل والاسم .
نترككم مع القصيدة
----------------------------
الفَارِسُ المَفَتُونُ
(للشاعر يوسف الحملة)
وَتَـعَـطَّـرَتْ مِنْ طِـيـبِـهَا وَتَجَمَّلَتْ
وَهَـمَـمْتُ مُـبْـتَـهِـجًـا لَـهَا فَتَمَنَّعَتْ
وَتَـوَرَّقَتْ مِنْ صَـلْـفِـهَـا أَشْجَارُهَا
فَــغَـدَتْ بِـهَا مَــهْـزُومَـةً وَتَيَبَّسَتْ
مَحْبُوبَتِي وَالقَـلْـبُ فِـيـهَـا ذَائِـبٌ
يَـا حُــرْقَـتِـي إِنْ بِالـعَـذَابِ تَمَكَّنَتْ
وَضَمَمْتُ لَـيْـلِـي فَـارِحًـا بِوُجُودِهَا
وَبَــدَأْتُ مُـفْـتَـخِـرًا بِهَا فَتَعَظَّمَتْ
وَلَقَدْ بَـكَـتْ وَأَصَبْتُ مِـنْ تَمْثِيلِهَا
فِـي مَقْتَلِي فِـي مَعْقَلِي وَتَنَـكَّرَتْ
فَـشَـدَدْتُ إِذْ لَـقَّـنْـتُـهَـا دَرْسًـا لَهَا
حَتَّى هَـوَتْ فِـي غَيَّهَا وَتَمَخَّضَتْ
وَوَضَعْتَهَا فِـي وَضْعِهَا وَمُحِيطِهَا
حَتَّى جَثَـتْ مَـحْـبُوبَتِي وَتَغَيَّرَتْ
قَلْبِي عَلَيْهَا كَــمْ يِـكُـونُ مُـشَـرَّدًا
فَـإِذَا أَتَـتْ مِـنْـهَـا الحَيَاةُ تَلَوَّنَتْ
حَـتَّى الـعُـيُـونُ وَدَمْعِهَا يَتَدَفَّقُوا
جَـادَتْ بِـدَمْـعٍ ذَابَ فِى وَتَبَحَّرَتْ
فَأَخَذْتُ يَوْمًا تَالِيًا كَي أَصْطَفِي
عُـذْرًا أَخِيرًا مَـا أَتَـتْ وَتَفَضَّلَتْ
وَتَرَكْتُهَا تُـغْـتَـالُ فِـي طُـغْيَانِهَا
وَذَهَبْـتُ وَحْـدَي رَاحِلًا فَتَعَثَّرَتْ
لَا لَا حَيَاةً بَـعْـدَهَـا فُرِضَتْ هُـنَا
غَـيْـرِ الَّـتِـي أَدَمَـنْـتُـهَا وَتَبَخَّرَتْ
الفَارِسُ الـمَـفَتُونُ مَـاتَ مُسَمَّمًا
وَسُمُوُّهَا تُـحْيَـا عَـلَى مَـا سَمَّمَتْ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق