الاثنين، 18 فبراير 2019

سر الأم المكلومة /قصة قصيرة بقلم محمد الرحالي

قصة قصيرة  

                  ☆☆   سر الأم المكلومة  ☆☆

   كانت أم وليد كلما سمعت كلمة بحر تنهمر من عينيها الدموع وتهرع إلى سجادة الصلاة تناجي ربها في خشوع عجيب  لا تمل من ذلك ولا تتبرم ..وكانت كلما  استأذنها ابنها وليد إلى الذهاب إلى البحر  للسباحة والإستجمام رفقة أصدقائه  يعلو وجهها الغضب الشديد و تقول له :
- " ها الرضا ها السخط "
 كانت تخيره بين رضاها وسخطها 
لهذا كان يذهب خفية إلى البحر وهو يعلم علم اليقين أن أمه ستكيل له اللكمات تلوى اللكمات دون هوادة وحين تخور قواها تجلس عند قدميه تبكي دون انقطاع ثم تقوم إليه وتحضنه إليها وهي تقبل رأسه و كل جسمه و ومواضع الضرب .. كان حين يعود إلى المنزل يظل يتوارى عنها حتى لا تعرف ذلك في وجهه ..وفي إحدى المرات كانت جدته من أبيه المتوفي شاهدة على الحوار الذي دار بينه وبين أمه إذ قال لها في غضب بعدما استأذنها :
- ما المانع يا أمي لذهابي إلى البحر ..لقد أصبحت راشدا ..كما أنني أقصد أنا وأصدقائي  الأماكن التي لا يكثر فيها الإختلاط.. لماذا لا تريدين لي أن أكون مثل أقراني الذين يسخرون مني دائما بقولهم " إبن أمه المدلل"
طوقت الجدة وليد بيديها في حنو وأدخلته ( الصالة ) بيت الضيوف وأجلسته  أمامها وقالت : 
- يا بني أمك تحبك كثيرا ولا تريد لك الأذى ..آه يا ولدي هؤلاء الذين يعيرونك بأمك أقران سوء وجب قطع علاقتك بهم لأن رضى الله في رضى الوالدين .. لقد قسوت على أمك كثيرا بقولك ذاك ،لو كنت تعرف  سبب رفضها ذهابك إلى البحر  ، لكنت "التمست لها سبعين عذرا"..ولعلمت أنها أرحم الناس بك يا وليد.. سأخبرك حقيقة منعها لك ، ولو أني وعدتها أن يبقى هذا الأمر طي الكتمان لأنه يذكرها بأخوك الأوسط منير وأيضا يذكرها ب.. 
قاطعها قائلا : 
 - منير الذي قضى في حادث سيارة 
-  لا يا بني بل مات غرقا  
- كيف ذالك يا جدتي ؟
- ذات صيف قرر منير مع أصحابه قضاء أسبوع كامل على شاطئ البحر للإستجمام والسباحة..وبعد مرور يومين فقط من ذهابه جاءنا خبر غرقه وأن جثته لم يلفظها البحر بعد ..  كادت أمك أن تفقد عقلها كانت تقول وهي  لا تبرح البحر ولا تفارقه صباح مساء : 
يابحر رد علي ابني
لأواريه التراب
أما يكفيك أن أخذته مني
ولم يبلغ فتوة الشباب
أما يكفيك أن هدمت حصني 
وامتلأ قلبي عذاب
رده إلي وخذ معك لحني 
وكل نجوى فيك وخطاب
لا تخيب فيك ظني
وإلا شكوتك لرب الأرباب 
لا تزد حزنا إلى حزني
تكن عندي من الأحباب

كان والدك يرحمه الله وأخوك  أحمد يتناوبان على مراقبتها في حرص شديد لأنها كادت أن تغرق وسط أمواج البحر المتلاطمة وهي تصرخ أين أنت يا منير أين يخبئك هذا البحر ..كان كل من يراها على تلك الحالة و يعلم مصابها  يذكرها بالله وبالقضاء والقدر ..كانت لا تسمع لكلامهم كانت تنصت فقط لهدير البحر كأنه يخاطبها.. وبعد مرور أكثر من أسبوع جاءنا خبر مفاذه أن شابا في مواصفات منير لفظه البحر في مدينة أخرى ، طرنا إلى هناك على جناح السرعة لنتيقن من الخبر وإذا به منير  ..أقسم لك يا وليد أنه لم يتغير لونه كأنه لم يلبث في البحر إلا ساعة من الزمن  ولم يأكل الحوت شيئا منه ..حين رأته أمك ضمته إلى صدرها وقالت بصوت ممزوج بالبكاء : 
- لك الحمد بعد الرضى ولك الحمد إذا رضيت..لله ما أخذ ولله ما أعطى
ظل منير حديث الناس لسنوات عديدة ، خاصة حين أخبرنا أصدقاؤه  أن آخر شيء قام به منير قبل السباحة هو قراءة ورده اليومي من القرآن الحكيم وركعتي الضحى .
بعدما سمع  وليد سر أمه المكلوم من جدته قام  فقبل رأسها وقال والدموع تنهمر من عينيه بغزارة  :
- سأستعطف أمي لعلها تغفر لي حدة قولي معها..أما أخي أحمد فحسابه معي سيكون عسيرا ..كيف أمكنه أن يخفي عني هذه الحقيقة كيف ؟!
- لقد وعد أمك  بكتم الخبر .. وأنت تعلم أن أخوك أحمد إذا قطع وعدا لأحد فلن يخلفه أبدا فما بالك بأمك التي لا أحد يحبها أكثر منه.
- ولكن  ما الضير في إخباري بحقيقة موت منير  ؟
- ذاك سر لا يعلمه أحد منا... إلا أمك ومنير رحمة الله عليه

                        ☆☆☆ محمد الرحالي ☆☆☆

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق